السبت ، 14 يونيو 202501:42 م
آراء حرة

حسام حسن الخُشت يكتب: بين البقاء والتفكك.. حين يصبح الدفاع عن الوطن فرضًا لا اختيارًا

الأحد، 18 مايو 2025 01:44 مساءً
حسام حسن الخُشت يكتب: بين البقاء والتفكك.. حين يصبح الدفاع عن الوطن فرضًا لا اختيارًا
حسام حسن امين تنظيم حزب العدل
15

في لحظات الاختبار الكبرى لا يحاكم القادة فقط بل تحاكم الشعوب أيضا على قدرتها على التمييز بين معارضة السلطة وبين هدم الدولة بين أن تكون ناقدا شريفا في خندق الإصلاح أو أن تتحول من حيث لا تدري إلى أداة في يد من لا يريدون لمصر أن تبقى أصلا لا نظاما فقط.

ليس المطلوب من أحد أن يوزع شهادات البراءة ولا صكوك الولاء ولا أن يصمت عن الإخفاقات أو يتجاهل الأثمان الباهظة التي دفعتها البلاد في ملفات الحريات أو الإصلاح الاقتصادي أو السياسة والمجال العام بل العكس تماما فالمعارضة النزيهة هي صمام الأمان لأي دولة حية .
لكن حين تتبدل ملامح اللحظة الإقليمية وتتساقط الأقنعة من حولك لا يبقى مجال للهزل ولا مكان للمبالغات الأيديولوجية تصبح الكلمة الموزونة مسؤولية والموقف المتزن ضرورة لا ترفا.

ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الأخيرة لم يكن خطابا تقليديا في زمن التنازلات المجانية والاصطفافات العلنية مع الاحتلال فقد جاء صوته مختلفا لا تهجير لا فائدة من تطبيع دون دولة فلسطينية مستقلة لا حلول على حساب الحق الفلسطيني.
لم تكن الكلمات وحدها لافتة بل سياقها وتوقيتها وموقعها وسط غياب ملحوظ لغالبية القادة العرب.

في لحظة كهذه وأمام كاميرات العالم عبرت مصر لا الرئيس فقط عن موقف مبدئي أخلاقي وتاريخي وهو ما يوجب علينا أن نفرق أن نمارس النقد لكن دون أن نحذف ما لا يتناسب مع روايتنا أن نعترف بالموقف القوي عندما يصدر لا لأن قائله فوق النقد بل لأن مصر ليست طرفا عابرا في هذه المعادلة ولأن قوتها في لحظات الوضوح تحسب للأمة كلها لا لنظامها أو رئيسها فقط.

التاريخ يعرف هذا النوع من اللحظات في فرنسا مثلا ورغم الاعتراضات الجارفة على ديغول بعد الحرب العالمية الثانية لم يمنع ذلك الاعتراف بأنه حافظ على كرامة فرنسا حين كانت تحت الاحتلال النازي وفي التجربة الأمريكية لم يمنع رفض النشطاء لسياسات جورج بوش الداخلية أن يقفوا صفا واحدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفاعا عن الدولة لا عن سياسات إدارتها لأن لحظة الاختبار الوطني لا تقبل المساومة.

ما يحدث اليوم في فلسطين اختبار للأعصاب والمبادئ وليس للخطابة وهناك من يختار أن يصمت ومن يختار أن يساير ومن يختار أن يقول الحقيقة كما هي حتى لو كانت لا تناسب المقام السياسي أو لا ترضي المزاج العام
و مصر اختارت أن تقول ويجب على من ينصف الحقيقة أن يسمع ويشهد.

مرة أخرى ليس هذا دفاعا عن أداء السلطة فالنقد واجب والمحاسبة حق والمراجعة ضرورة لكن الدفاع عن الدولة ليس ترفا بل فرض عين لأن الأوطان إذا سقطت لا تعود والخرائط إذا أعيد رسمها لا تصحح بالهاشتاغات ولا بالغضب المؤقت بل بالوعي العميق والاصطفاف الرشيد.

ومن لا يفرق بين سلطة تنتقد ودولة تحمى لا يملك أن يقود ولا أن يوجه ولا حتى أن يسمع له صوت في لحظة مصيرية كتلك التي نعيشها الأن.