السبت ، 14 يونيو 202501:54 م
آراء حرة

لواء دكتور رضا فرحات يكتب: “برنامج تكافل وكرامة.. عنوان العدالة الاجتماعية في الجمهورية الجديدة”

الثلاثاء، 13 مايو 2025 01:08 مساءً
لواء دكتور رضا فرحات يكتب: “برنامج تكافل وكرامة.. عنوان العدالة الاجتماعية في الجمهورية الجديدة”
الدكتور رضا فرحات – نائب رئيس حزب المؤتمر
15

في أعقاب ثورة 30 يونيو، ومع ميلاد الجمهورية الجديدة، كانت الدولة المصرية على موعد مع تحد غير مسبوق: كيف يمكن لدولة مثقلة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية أن تؤسس لعقد اجتماعي جديد يعيد للمواطن المصري كرامته، ويضمن له الحد الأدنى من الحياة الكريمة؟ وكان الجواب على هذا التحدي هو الإرادة السياسية الحقيقية في بناء دولة العدالة الاجتماعية، فجاء برنامج “تكافل وكرامة” كواحد من أبرز وأهم ملامح هذا التوجه الإنساني والاجتماعي العميق.

لم يكن برنامج تكافل وكرامة مجرد مشروع دعم مالي عابر، بل كان انعكاسا لرؤية استراتيجية تبنتها الدولة المصرية لإعادة صياغة مفهوم الحماية الاجتماعية بما يتجاوز الصدقات التقليدية إلى خلق مظلة عادلة وشاملة ترسخ مبدأ تكافؤ الفرص، وتصون كرامة الإنسان، وأطلق البرنامج عام 2015 تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وجاء مدعوما بتخطيط علمي و ميداني دقيق، يستند إلى دراسات اجتماعية موسعة ومسح شامل للفئات الأكثر احتياجا في المجتمع المصري، وكانت الرؤية واضحة: الانتقال من الدعم العيني العشوائي إلى الدعم النقدي المشروط الذي يحفز التنمية البشرية، ويشجع الأسر على إرسال أبنائها إلى المدارس والاهتمام بالصحة والتعليم، وبالتالي كسر دائرة الفقر المتوارثة عبر الأجيال.

برنامج “تكافل وكرامة” تميز بمنهجية صارمة في اختيار المستحقين، حيث تم وضع قاعدة بيانات متكاملة تستند إلى معايير دقيقة تشمل مستوى الدخل، وعدد أفراد الأسرة، وحالتهم الصحية والتعليمية وتم الربط بين البرنامج وقواعد بيانات الوزارات الأخرى كالصحة والتعليم والتموين والتضامن، لضمان توجيه الدعم للفئات الحقيقية، والحد من التسرب أو الازدواجية، وينقسم البرنامج إلى شقين أساسيين هما برنامج “تكافل”، ويستهدف الأسر الفقيرة التي لديها أطفال في مراحل التعليم المختلفة، ويدعمها ماليا بشرط التزامها بإرسال أطفالها إلى المدارس وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم بالإضافة إلى برنامج “كرامة”، ويستهدف كبار السن فوق 65 عاما، والأشخاص ذوي الإعاقة، الذين لا يمتلكون دخلا ثابتا، و يمنحهم معاشا شهريا يساعدهم على الحياة الكريمة.

ما يميز برنامج تكافل وكرامة هو أنه لم يبق حبرا على ورق أو مجرد وعود انتخابية، بل تحول إلى واقع يعيشه ما يزيد على 5 ملايين أسرة مصرية في جميع محافظات الجمهورية و هذه الأسر، التي كانت يوما مهمشة و محرومة، أصبحت اليوم تحت مظلة الحماية الاجتماعية للدولة، تتلقى دعما نقديا منتظما يسهم في تخفيف أعباء المعيشة، ويوفر قدرا من الأمان الاقتصادي والاجتماعي.

ولم يتوقف الأمر عند الدعم المالي، بل امتد الأثر ليشمل مفاهيم أعمق، مثل تعزيز ثقافة التعليم والرعاية الصحية، وتقليص معدلات التسرب المدرسي، وتحسين المؤشرات الصحية للأطفال، وخاصة في القرى والمناطق النائية، وساهم البرنامج في بناء جسور الثقة بين المواطن والدولة، و أعاد إلى المواطن البسيط الشعور بأنه ليس وحده في مواجهة الفقر والمرض والحرمان.

واليوم، و مع مرور عشر سنوات على إطلاق برنامج “تكافل وكرامة”، يمكن القول بكل ثقة إن هذا البرنامج أصبح أحد أعمدة الحماية الاجتماعية في مصر، وأحد أنجح نماذج الدعم النقدي المشروط على مستوى العالم العربي، فعلى مدار عقد كامل، تطور البرنامج من مجرد أداة للدعم إلى منظومة متكاملة تستند إلى معايير الشفافية والعدالة والمساءلة وقد استطاع أن يتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية، لا سيما خلال فترات الأزمات مثل جائحة كورونا ومرحلة الإصلاح الاقتصادي، فكان بمثابة صمام أمان لملايين الأسر التي وجدت فيه مصدرا للثبات وسط رياح التحولات الصعبة.

إن مرور عشر سنوات على هذا البرنامج هو شهادة حقيقية على نجاحه، وعلى استمرار الدولة في تجديد التزامها تجاه الفئات الأولى بالرعاية، ومن اللافت أن برنامج تكافل وكرامة لم يعمل في عزلة، بل جاء متكاملا مع المبادرات الكبرى التي أطلقتها الدولة، وعلى رأسها مبادرة “حياة كريمة” التي تستهدف تطوير الريف المصري، وتحقيق تنمية متكاملة تشمل البنية التحتية والخدمات والتعليم والصحة وهذا التكامل بين البرامج يعكس فكرا استراتيجيا حديثا في إدارة ملف الحماية الاجتماعية، حيث لم تعد الدولة تتعامل مع الفقر كظاهرة اقتصادية فقط، بل كمنظومة متعددة الأبعاد تتطلب تدخلات شاملة ومستدامة.

ولم يخل البرنامج من التحديات أو الانتقادات، خاصة في بداياته، حيث أُثيرت تساؤلات حول دقة الاستهداف، وعدالة التوزيع، واستمرارية التمويل لكن ما يحسب للدولة المصرية هو أنها لم تتجاهل هذه الملاحظات، بل عملت على تطوير البرنامج بشكل مستمر، من خلال تحديث قواعد البيانات، ومراجعة قوائم المستفيدين، وزيادة المخصصات المالية عاما بعد عام، حتى وصلت إلى أكثر من 30 مليار جنيه سنويا كما تم تعزيز الشفافية والحوكمة عبر إطلاق منظومة الشكاوى الإلكترونية، وتيسير آليات التظلم، ما ساهم في رفع كفاءة البرنامج وتحقيق رضا المستفيدين.

إن برنامج تكافل وكرامة، في جوهره، هو تعبير صادق عن انحياز الدولة للفئات الضعيفة والمهمشة، وتجسيد عملي لمبادئ العدالة الاجتماعية التي طالما نادى بها المفكرون والمصلحون لكنه في ذات الوقت، هو خطوة ضمن مسار أطول نحو تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة والمستدامة وهذا المسار يتطلب استكمال أدواته عبر تمكين المستفيدين اقتصاديا، وربط الدعم بالتدريب والتأهيل وفرص العمل، حتى لا يظل المواطن أسيرا للدعم النقدي، بل يصبح شريكا في عملية الإنتاج والتنمية.

ختاما… لقد أثبت برنامج تكافل وكرامة أن الدولة القوية ليست فقط تلك التي تمتلك السلاح والاقتصاد، بل هي التي تحمي مواطنيها، وتمنحهم الأمل، وتعيد إليهم الشعور بالانتماء والكرامة ونحن اليوم، إذ نرصد إنجازات هذا البرنامج الوطني، فإننا نؤكد أن الجمهورية الجديدة لا تبنى فقط بالمشروعات الكبرى، بل تبني أيضا بالاهتمام بالإنسان، وتمكينه، ورعايته، وهذا ما نجحت فيه مصر، حين جعلت من “الكرامة” عنوانا دائما للسياسة الاجتماعية.