
مع احتفالات المصريين بعيد القيامة، نسترجع معًا صفحات مشرقة من تاريخ أبناء محافظة أسيوط، وتحديدًا رموز نسائية قبطية من أبناء أسيوط، خلّدت أسماءهن بجهودهن الوطنية والاجتماعية التي لا تُنسى، ولم تنل حتى اليوم حظها الكافي من التكريم والاعتراف.
ونتوجه في هذا السياق بكل التقدير للصديق الأستاذ علي أبو حميد الباحث في الآثار ، الذي يبذل جهودًا كبيرة ومستمرة في محاولة إنقاذ قصر ألكسان باشا الأثري، وتحويله إلى أول متحف مفتوح بالمحافظة، يحتضن بين جدرانه تراثًا قبطيًا وفرعونيًا عريقًا. وللنائب احمد القناوي كي عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب وأمين عام حزب العدل لدعمة الدائم لهذه علي الجهود علي الرغم انه ليس من ابناء المحافظة، فمحافظة أسيوط تزخر بتاريخ يؤهلها لأن تكون على خريطة السياحة المصرية.
ولعل أفضل ما نبدأ به هو قول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش:
“أثر الفراشة لا يُرى… أثر الفراشة لا يزول.”
وهكذا هو أثر هؤلاء الرائدات من بنات أسيوط: صامت لكنه خالد، عميق لا يبهت مع مرور الزمن.
أستر فهمي ويصا: زعيمة الوفد الصعيدية
هي واحدة من الأسماء التي سطرت التاريخ الوطني بحروف من ذهب. أستر فهمي ويصا، ابنة أسيوط، وشريكة هدى شعراوي، ونائبتها في لجنة الوفد المركزية للسيدات، كانت من أوائل من نظموا مظاهرة نسائية تطالب بالاستقلال في 16 مارس 1919. كما كانت ضمن رائدات الاجتماع النسائي التاريخي الذي انعقد في الكنيسة المرقسية، وأسفر عن تشكيل أول لجنة تمثل نساء مصر وتدعم الحركة الوطنية.
تنتمي لعائلة ويصا العريقة التي عُرفت في صعيد مصر بخدمة الوطن والمجتمع، وشاركت في تأسيس أول اتحاد نسائي، وخاطبت الرئيس الأمريكي ويلسون دفاعًا عن حرية المصريين. ولم تكن هذه التحركات إلا تأكيدًا لما قاله سعد زغلول:
“إن المرأة قد شاركت بجهد خلّاق في نهضتنا الحاضرة، وأثبتت شجاعتها في موقفها أيام الثورة… فلنهتف جميعًا: تحيا السيدة المصرية.”
ليلي دوس: رائدة العمل الاجتماعي
“كانوا بيقولوا لنا دي نقطة في بحر، قلنا لهم والله نقطة في بحر ممكن تبقى بحر في يوم من الأيام”… بهذه الكلمات عبّرت ليلي دوس، ابنة أسيوط، عن إيمانها العميق بقوة الفعل المجتمعي وأثره المتراكم.
ليلي، حفيدة عمدة أسيوط حبيب شنودة، أسست جمعية تحسين الصحة عام 1936 مع رفيقاتها عايدة علوبة ونعمة برزي، لمواجهة مرض السل. توسعت الجمعية لاحقًا لرعاية أطفال الشوارع وذوي الإعاقة، وأسست أول ملجأ لدعم الأطفال الذين يعاني آباؤهم من أمراض مزمنة.
وفي عام 1949، أنشأت أول “مدينة لتحسين الصحة” في مصر. وواصلت نضالها حتى بعد وباء الكوليرا عام 1947، وكانت من أوائل من طالبوا الحكومة بالاعتراف بوجود المرض ومكافحته. وكانت ترى أن العمل الأهلي هو البوابة الحقيقية لتكريس مفهوم العدالة الاجتماعية.
لم تنقطع عن العمل الوطني، فشاركت في حملات تبرع واسعة من عام 1956 حتى نصر أكتوبر 1973، وأسست مراكز خياطة لتوفير كساء الجنود وسكان الأقاليم.
فيوليت مقار: صوت الأوبرا الخالد
ولدت فيوليت مقار في مركز صدفا بمحافظة أسيوط، وكانت أول مصرية تؤدي دور “أمنيريس” في أوبرا عايدة، لتُصبح لاحقًا من أبرز أساتذة الأصوات في معهد الكونسرفاتوار، ومؤسسة قسم الغناء بدار الأوبرا المصرية.
كان لها دور محوري في تأسيس أوركسترا دار الأوبرا المصرية عام 1994، والذي أصبح ملازمًا لعروض الباليه في الدار، وقدمت من خلاله سلسلة حفلات “جالا كونسير” التي استضافت نخبة من نجوم الأوبرا العالمية. وتركت بصمتها في تكوين أجيال من الأصوات المصرية الراقية التي وصلت إلى العالمية، وأسست بذلك مرحلة ذهبية لفن الأوبرا في مصر.
وفي الختام، تبقى أمنيتنا أن يرى مشروع “متحف أسيوط” النور، وأن نرى أسماء هؤلاء العظيمات تزين شوارع المحافظة ومدارسها وقصور ثقافتها، فقد قدّمن للوطن ما يستحق التكريم والخلود، كما فعلت الرائدة خديجة يوسف.
كما نأمل أن تتبنى جهة أو مجموعة من أبناء أسيوط إصدار وطباعة “موسوعة أعلام أسيوط” التي أعدها العالم الجليل الراحل أ.د. محمد رجائي الطحلاوي، وتوزيعها مجانًا على طلاب المدارس الإعدادية. فهؤلاء الطلاب يستحقون أن يتعرفوا على تاريخهم، وأن يفتخروا برموزهم الذين لم تُدرّس لهم يومًا.
لأن من لا يعرف تاريخه، لا يملك مستقبله، وتاريخ أسيوط أكبر من أن يُنسى.