الأحد، 18 مايو 202507:14 م

الدكتور أحمد محسن يكتب: واقعة سوهاج وقرار وزير التعليم.. جهل بأحكام قانون الإدارة المحلية أم فوضى إدارية؟

آراء حرة
الدكتور أحمد محسن يكتب: واقعة سوهاج وقرار وزير التعليم.. جهل بأحكام قانون الإدارة المحلية أم فوضى إدارية؟
الدكتور أحمد محسن – أمين تنظيم حزب الجيل
15
الأربعاء، 16 أبريل 2025 04:47 مساءً

تشير الواقعتان اللتان شغلتا الرأي العام خلال الأيام الماضية—الأولى ما حدث بين سكرتير عام محافظة سوهاج ونائب المحافظ، والثانية إحالة وزير التربية والتعليم مدير إدارة تعليمية بالباجور إلى التحقيق—إلى إشكال عميق في فهم وتطبيق أحكام قانون الإدارة المحلية، وغياب الرؤية المؤسسية في التعامل مع الأدوار الوظيفية المختلفة داخل الدولة.

أولًا: واقعة سوهاج… صراع يعكس خللًا في فهم التراتبية الإدارية

تعد واقعة التعدي اللفظي أو الجسدي، بحسب ما تردد، بين سكرتير عام محافظة سوهاج ونائب المحافظ، مؤشرًا على خلل إداري صارخ. فطبقًا للتراتبية الإدارية:
• السكرتير العام هو موظف إداري رفيع، من الجهاز التنفيذي، يتبع المحافظ مباشرة ويقوم بتسيير العمل الإداري اليومي.
• أما نائب المحافظ فهو معين بقرار من رئيس الجمهورية، ويملك صلاحيات سياسية وتنفيذية تساعد في تنفيذ السياسات العامة على مستوى المحافظة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك خلطًا شائعًا في فهم علاقة السكرتير العام بوزير التنمية المحلية:
• من حيث الإشراف الإداري والتنظيمي اليومي، فإن السكرتير العام يتبع المحافظ مباشرة، الذي يوجهه ويكلفه ويتابع أداءه.
• أما قرار تعيينه أو نقله، فيصدره وزير التنمية المحلية، لكن غالبًا ما يتم ذلك بناءً على ترشيح المحافظ، ووفق التنسيق بين الوزارة والمحافظة.

وعليه، فإن أي صدام بين السكرتير العام ونائب المحافظ لا يعكس فقط توترًا شخصيًا، بل يدل على قصور في استيعاب التراتب الإداري والسياسي داخل الجهاز التنفيذي المحلي، وانهيار في منطق العمل الجماعي المؤسسي.

ثانيًا: وزير التعليم ومدير إدارة الباجور… تغول السلطة المركزية

أما ما فعله وزير التربية والتعليم من إصدار قرار بإحالة مدير إدارة تعليمية إلى التحقيق مباشرة، دون الرجوع إلى مدير المديرية أو المحافظ، فهو مخالفة صريحة للمنطق الإداري السليم، وأحكام اللامركزية التي يقرها الدستور المصري في المادة 176 وما بعدها.
• مديرو الإدارات التعليمية يتبعون محليًا مديريات التعليم بالمحافظة، والوزير ليس له سلطة مباشرة في هذا المستوى من التدرج الإداري.
• ما حدث يعكس عودة غير معلنة لنهج المركزية الصارمة، التي تؤدي إلى تهميش دور المحافظات وتفريغ الإدارة المحلية من مضمونها.

ثالثًا: أزمة أعمق من مجرد تصرفات فردية

هاتان الواقعتان ليستا استثناءً أو انحرافًا بسيطًا، بل هما نتاج مباشر لغياب قانون محدث للإدارة المحلية، وتعطيل متعمد لانتخابات المحليات، واستمرار العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1979، الذي أصبح غير مواكب للتحولات الدستورية والسياسية التي شهدتها البلاد.
• لا يوجد وضوح في توزيع الصلاحيات بين المركز والمحافظات.
• هناك تداخل بين السلطات السياسية والإدارية.
• ويفتقر الكثير من المسؤولين إلى التدريب الكافي لفهم الإطار القانوني الذي يتحركون داخله.

الحل: العودة إلى الدستور وإقرار اللامركزية الحقيقية المنضبطة
• يجب الإسراع في إصدار قانون جديد للإدارة المحلية، يفعل ما جاء في الدستور بشأن التدرج في نقل السلطات والموارد من المركز إلى المحليات منضبطة دون انفلات تفريط في المحددات المرتبطة بالأمن القومي، والتي أسست ” مناطقيات” بدول في إقليمنا مثل العراق ولبنان
• كما ينبغي إخضاع القيادات المحلية والتنفيذية إلى برامج تدريبية ملزمة لفهم اختصاصاتهم وحدودها.
• وأخيرًا، لا بد من إعادة الاعتبار لفكرة المؤسسية في العمل الإداري، بعيدًا عن الفردية والانفعالات.

الخلاصة:

ما حدث في سوهاج والباجور ليس مجرد خطأ إداري… بل تعبير عن فجوة تشريعية وتنظيمية خطيرة. والخروج منها لا يكون بالبيانات ولا بالتحقيقات فقط، بل بتصحيح المسار التشريعي، وبناء وعي إداري قائم على احترام القانون والفصل بين الاختصاصات