
حارة ضيقة بحي شعبي بمحافظة القليوبية ، تجلس فاطمة، وهي أم لثلاثة أطفال، تروي قصة صراعها اليومي لتوفير لقمة العيش لأبنائها. حلمها بسيط : أن يعيش أطفالها حياة كريمة بعيدة عن الفقر والحرمان. حكاية فاطمة هي حكاية ملايين المصريين الذين يسعون لتحقيق حقوقهم الأساسية في حياة كريمة.
وفي هذا السياق، أطلقت الدولة المصرية في سبتمبر من ثلاث سنوات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تعد خارطة طريق طموحة لتحقيق هذه الأهداف السامية.
تعد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمثابة وعد بتغيير واقع يعاني منه الكثيرون، فهي تهدف إلى تعزيز سيادة القانون، وحماية الحريات الأساسية، ومكافحة التمييز، وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرار، ولكن هل هذا الوعد سيترجم إلى واقع ملموس؟
في مقر المجلس القومي لحقوق الإنسان، يجتمع مجموعة من الخبراء ونشطاء منظمات المجتمع المدني والمتخصصين لمناقشة آخر التطورات في تنفيذ الاستراتيجية. الدكتور مصطفى ، وهو أحد هؤلاء الخبراء، يقول: “لقد كانت هناك خطوات إيجابية، مثل إطلاق حملات توعية حول حقوق الإنسان وتعديل بعض القوانين. ولكننا ما زلنا في بداية الطريق، وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.”
تذكر فاطمة عندما حاولت التقدم بشكوى ضد صاحب العمل منذ عدة سنوات الذي استغلها، لكنها وجدت نفسها تواجه بيروقراطية معقدة وإجراءات طويلة، تقول: “شعرت أن صوتي ضاع وسط كل هذا الضجيج. أتمنى أن تساعدني هذه الاستراتيجية في الحصول على حقوقي.”
في محاولة لتحقيق أهداف الاستراتيجية، عقدت الدولة المصرية سلسلة من اللقاءات والورش عمل مع مختلف الفئات المجتمعية لجمع الآراء والمقترحات، ولكن هل تم الاستماع إلى أصوات هؤلاء الناس؟ وهل تم تضمين مقترحاتهم في خطط العمل؟
شهد العام الماضي جدلاً واسعًا حول قضية الحبس الاحتياطي ، حيث انتقدت منظمات حقوقية قرارات تجديد الحبس لفترات طويلة دون محاكمة ناجزة بالإضافة للجدل الحالي حول قانون الإجراءات الجنائية . هذا الجدل يعد من أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجية، وأثار تساؤلات حول جدية الالتزام بتعهداتها.
تواجه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان العديد من التحديات، منها التحديات الهيكلية مثل عدم تفهمها من جانب بعض المؤسسات، والبيروقراطية، ونقص الموارد. كما تواجه تحديات اقتصادية ، حيث قد تتضارب أهداف الاستراتيجية وطموحاتها الواسعة مع الموارد المحدودة. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات مجتمعية عميقة الجذور، مثل الثقافة المجتمعية والصورة النمطية المأخوذة عن حقوق بعض الفئات الاولى بالرعاية .
رغم التحديات، تبقى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمثابة خارطة طريق نحو مستقبل أفضل. ومع ذلك، فإن تحقيق الأهداف الطموحة لهذه الاستراتيجية يتطلب جهدًا متواصلًا من جانب مؤسسات الدولة المختلفة والمجتمع المدني، بالإضافة إلى مشاركة فاعلة من المواطنين. فهل ستنجح هذه الجهود المخلصة في بناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويعزز سيادة القانون؟ هذا السؤال يظل مفتوحًا.
في النهاية، عودة إلى فاطمة، التي لا تزال تأمل في أن تحقق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تغييراً إيجابياً في حياتها وحياة ملايين المصريين. قصة فاطمة هي قصة كل من يسعى لتحقيق العدالة والمساواة.