
في خطوة مفاجئة تنذر بتداعيات خطيرة على خريطة التحالفات الإقليمية، أصدر الجيش السوداني بيانًا رسميًا أدان فيه بشدة ما وصفه بـ”الهجوم الغادر” الذي شنّته قوات اللواء الليبي خليفة حفتر، قائد ما يُعرف بـ”الجيش الوطني الليبي”، على وحدات من الجيش السوداني في منطقة المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا.
البيان السوداني، الذي جاء بلهجة غير معتادة في الخطاب السوداني تجاه حفتر، لم يترك مجالًا للشك في تحميل المسؤولية فقد أشار بوضوح إلى أن قوات حفتر اصطفت عسكريًا مع ميليشيا “قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، في مواجهة الجيش السوداني، معتبرًا ذلك “خرقًا غير مسبوق” للسيادة السودانية و”مؤامرة إقليمية” تهدف إلى إضعاف الدولة السودانية من بوابتها الغربية.
مصر وحفتر.. شراكة في مفترق طرق
تاريخيًا، كانت القاهرة تُعد من أبرز الداعمين الإقليميين لخليفة حفتر، انطلاقًا من موقف مصري رافض للميليشيات والمجموعات المسلحة الخارجة عن مؤسسات الدولة وقدمت مصر، خلال السنوات الماضية، دعمًا لوجستيًا وسياسيًا واسعًا لحفتر في صراعه ضد حكومة الوفاق سابقًا، ثم ضد تحالفات الغرب الليبي المحسوبة على الإخوان المسلمين.
لكن خطوة حفتر الأخيرة بالاصطفاف مع حميدتي — الذي تُصنفه القاهرة ضمن التهديدات المباشرة لأمن السودان، وبالتالي لأمنها القومي — تضع هذه العلاقة تحت المجهر، وتفتح باب التساؤل: هل تجاوز حفتر الخط الأحمر المصري؟
المثلث الحدودي.. ساحة رسائل مشفّرة
الهجوم وقع في منطقة شديدة الحساسية جغرافيًا واستراتيجيًا، وهي المثلث الحدودي الذي تلتقي فيه حدود مصر وليبيا والسودان وهذه المنطقة لطالما اعتبرتها القاهرة نقطة ارتكاز لأمنها القومي، بل وامتدادًا مباشرًا لأراضيها وبالتالي، فإن قيام قوات حفتر بأي عمل عدائي ضد الجيش السوداني في هذا النطاق الجغرافي يُعد، من المنظور المصري، استهدافًا غير مباشر لها.
مصادر مصرية غير رسمية بدأت بالفعل في التعبير عن “دهشة عميقة” من خطوة حفتر، خاصة أنه أقدم على الاصطفاف مع حميدتي — الذي تُحمله مصر ضمنيًا مسؤولية الفوضى في السودان، وترى في قواته أداة لتقسيم الدولة السودانية.
القاهرة تعيد حساباتها؟
حتى الآن، لم يصدر عن الحكومة المصرية بيان رسمي يُدين أو يُعلّق على ما حدث، لكن القراءة المتأنية للمشهد تطرح سؤالًا مشروعًا: هل ستعيد القاهرة النظر في علاقتها بحفتر؟ فالدولة المصرية، التي تبنّت موقفًا علنيًا وواضحًا بدعم الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ترى أن أي دعم لميليشيا حميدتي يُعد تهديدًا مباشرًا لاستقرار السودان، وبالتالي تهديدًا لأمنها الوطني.
وبالتالي، فإن استمرار حفتر في هذا المسار قد يدفع القاهرة لاتخاذ إجراءات عقابية، سواء بتجميد الدعم اللوجستي أو إعادة ترتيب أولوياتها في الملف الليبي، وربما فتح قنوات أكثر حيوية مع أطراف أخرى على الأرض الليبية.
هل خان حفتر القاهرة؟
قد يرى البعض أن تحالف حفتر مع حميدتي ليس سوى مناورة عسكرية مؤقتة في إطار الصراع السوداني، لكن القاهرة، التي تعتبر ميليشيا الدعم السريع خطرًا مُماثلًا لتنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة”، لن تنظر لهذه الخطوة بعين البراغماتية بل قد تُفسرها كـ”خيانة سياسية” لتحالف استراتيجي بنته على مدار سنوات، خاصة وأن الهجوم تم على مشارف أراضيها.
فهل أدرك حفتر خطورة ما أقدم عليه؟ وهل يظن أن القاهرة ستغض الطرف عن هذا “الانحراف المفاجئ” في بوصلته السياسية؟
كرة النار في ملعب حفتر
في ظل الصمت المصري الرسمي، لا يزال الباب مفتوحًا أمام حفتر لتفسير أو تبرير ما حدث لكن المؤكد أن علاقته مع القاهرة لم تعد كما كانت، وأن اصطفافه العسكري مع حميدتي، وإن كان تكتيكيًا، قد يتحول إلى “رصاصة رحمة” تُنهي سنوات من الدعم والصمت المصري المساند له.