
مع اقتراب انتخابات البرلمان المصري لعام 2025، تشهد الساحة السياسية حركة غير مسبوقة على صعيد الأحزاب السياسية والتحالفات الانتخابية، تتوالى التحولات في التركيبة الحزبية المصرية، حيث يبدو أن الفرصة باتت مواتية لتشكيل تحالفات سياسية جديدة تتجاوز التوازنات القديمة، وتتجه نحو بناء مستقبل سياسي أكثر استقرارًا.
وفي ظل هذه الأجواء، تبرز أهمية استشراف مسار العمل الحزبي ودراسة التحديات التي قد تواكب الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل الانقسامات الداخلية، وضغوط الظروف السياسية، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في الجميع.
فصول متشابكة.. التحالفات الحزبية في مصر عبر التاريخ
في قلب الصراع السياسي في مصر، لطالما كان تشكيل التحالفات الانتخابية أحد أبرز محركات التغيرات السياسية، فخلال السنوات الماضية، شهدت الساحة السياسية المصرية العديد من التحالفات التي لم تدم طويلاً، وتفاوتت نجاحاتها وفشلها بناءً على السياق السياسي والتغيرات التي عصفت بالبلاد.
وبدءًا من “التحالف الديمقراطي” في انتخابات 2012، مرورًا بـ “الكتلة المصرية” و”ائتلاف دعم مصر”، وصولًا إلى “القائمة الوطنية من أجل مصر”، كان عام 2025 في الأفق، حيث تسعى الأحزاب لتشكيل تحالفات جديدة تواكب تطورات ما بعد 30 يونيو.
قال أبو الفضل الإسناوي، الخبير السياسي ومدير المركز الأكاديمي: “التحالفات في مصر كانت تاريخيًا تفاعلية أكثر منها استراتيجية، ففي كثير من الأحيان، كان يتم تشكيل التحالفات بناءً على المصالح الآنية بدلًا من الأسس السياسية الأيديولوجية المستدامة.”
من جهته أعلن محمود مسلم، أمين الإعلام بحزب الجبهة الوطنية، أن الظرف السياسي في مصر بعد ثورة 30 يونيو دفع العديد من الأحزاب إلى إعادة التفكير في تحالفاتها.
اليوم، يجب أن نكون أكثر حكمة في بناء تحالفات قائمة على رؤى سياسية واضحة تتوافق مع تطلعات الشعب المصري.”
الجبهة الوطنية.. رؤية جديدة في العمل الحزبي
وتُعتبر “الجبهة الوطنية” واحدة من الأحزاب السياسية الحديثة التي تقدم نموذجًا جديدًا للعمل الحزبي في مصر، وبينما تكافح الأحزاب الأخرى من أجل توسيع نطاق تأثيرها، تتبع “الجبهة الوطنية” نهجًا مختلفًا يعتمد على تكوين قاعدة شعبية واسعة، بعيدًا عن السعي للأغلبية البرلمانية في انتخابات 2025.
وقال محمود مسلم، الذي تحدث عن “الجبهة الوطنية”: “نحن لا نطمح للأغلبية في الانتخابات المقبلة، لأننا نؤمن بأن القوة الحقيقية تكمن في تمثيل الشارع المصري، وليس في حصد المقاعد فقط، نحن نريد أن نكون صوتًا للمواطنين، نتفاعل معهم ونحقق احتياجاتهم.”
وأضاف “مسلم”: “الجبهة الوطنية تبني قواعدها على التنوع الاجتماعي والفئوي، وتفتح أبوابها لجميع القطاعات: من الشباب إلى المرأة، ومن المثقفين إلى الفئات الأقل تمثيلًا. هذا ما يجعلنا نختلف عن العديد من الأحزاب التي تركز على الطبقات الاجتماعية العليا.”
التحديات السياسية.. هل تغير الزمن السياسي من قواعد اللعبة؟
ولقد فرضت التطورات الاقتصادية والاجتماعية والضغوط السياسية على الأحزاب أن تعيد النظر في استراتيجياتها. فالأحزاب التي كانت تعمل في السنوات السابقة وفقًا لمفاهيم واضحة عن الأيديولوجيا السياسية، تجد نفسها الآن في مواجهة مع متغيرات جديدة، لم تكن حاضرة بشكل قوي من قبل.
وتابع محمود مسلم شدد على نقطة مهمة قائلاً: “الظرف السياسي بعد ثورة 30 يونيو قد خلق مواقف جديدة، دفعنا فيها جميعًا إلى إعادة تشكيل أولوياتنا. ما كان سابقًا فاصلًا بين القوى السياسية، أصبح اليوم نقطة توافق لحماية استقرار الدولة.
لذلك، التحالفات لم تعد تبنى فقط على الأيديولوجيا، بل على ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي.”
من جهة أخرى قال أحمد الشورى، الخبير السياسي: “الانتخابات المقبلة يجب أن تأخذ في الحسبان دور المستقلين الذين يعبرون عن مصالح الشعب بشكل واقعي. نحن بحاجة إلى إعادة تقييم شكل القوائم الانتخابية، لضمان أن تكون تمثيلية أكثر فاعلية.”
حالة القوائم الانتخابية.. بين النسبية والمغلقة
بينما يختلف الخبراء حول النظام الأنسب لتشكيل القوائم الانتخابية، يبدو أن النظام النسبى، الذي يتيح توزيع المقاعد بناءً على نسبة الأصوات التي يحصل عليها كل حزب، هو الأكثر منطقية من الناحية الديمقراطية.
ومع ذلك، يرى البعض أن القوائم المغلقة، التي تمنح الأحزاب الأكبر سيطرة أكبر، قد تكون الخيار الأمثل لضمان الاستقرار السياسي.
وأشار محمود مسلم: “من خلال تجربتنا في الجبهة الوطنية، نحن نفضل أن يكون هناك توازن بين القوائم النسبية والمغلقة، فلكل منهما مميزات وعيوب، لكن ما نحتاجه الآن هو استقرار السياسة الحزبية، ولذا يجب أن تكون التحالفات المستقبلية مبنية على تفاهمات استراتيجية بعيدًا عن التنازع على المناصب.”
المرأة والشباب.. صراع الأجيال في السياسة المصرية
ومع اقتراب انتخابات 2025، يشهد المشهد السياسي المصري مشاركة قوية من فئات الشباب والمرأة، الذين بدأوا يفرضون أنفسهم في هيكل الأحزاب السياسية، وخاصة في الأحزاب الجديدة مثل الجبهة الوطنية.
وأكد الدكتور محمود مسلم: “نحن نعتبر الشباب والمرأة من الفئات الأساسية التي يجب أن يكون لها دور كبير في الحياة السياسية، لدينا الكثير من القيادات النسائية المؤثرة داخل حزب الجبهة، وهو ما يعكس اهتمامنا بتقديم نموذج جديد للمرأة في السياسة.”
وتابع محمود مسلم قائلاً: “إذا أردنا حقًا أن نبني حياة حزبية قوية، يجب أن تكون المرأة جزءًا أساسيًا من المعادلة السياسية، ولا يمكن لأي حزب أن يحقق النجاح دون أن يلتفت إلى هذه الفئات التي تملك طاقات كبيرة يمكن أن تسهم في مستقبل السياسة في مصر.”
الأفق الجديد للسياسة المصرية
بينما تترقب الساحة السياسية في مصر الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025، تظل التساؤلات مفتوحة حول شكل التحالفات الانتخابية المستقبلية، فهل ستظل التحالفات محكومة بالمصالح قصيرة المدى؟ أم أن الأحزاب ستستطيع بناء تحالفات مستدامة على أسس سياسية متينة؟
واختتم محمود مسلم قائلاً: “نحن نعيش في فترة مفصلية في تاريخ العمل الحزبي في مصر، وعلينا جميعًا أن نكون مستعدين لبناء تحالفات تسهم في تشكيل برلمان يعكس تطلعات الشعب المصري. لن تنجح هذه التحالفات ما لم يتم تبني نهج تشاركي شامل يعزز من تمثيل جميع فئات المجتمع.”
مع هذه التحولات، يبدو أن الطريق إلى انتخابات 2025 سيكون مليئًا بالتحديات، لكنه سيحمل أيضًا الفرص لبناء مشهد سياسي أكثر تنوعًا واستدامة في مصر.