
تحليل : محمد أبو زيد
في لحظة تاريخية فارقة ووسط توترات إقليمية غير مسبوقة ، تخرج الإدارة الأميركية بمقترح غير تقليدي لحل أزمة المواجهة العسكرية المحتملة مع إيران.
والمقترح الأمريكي ينص على انشاء مشروع إقليمي لإنتاج الوقود النووي السلمي في سلطنة عُمان، ويقوم هذا المفاعل بتغذية وتلبية احتياجات دول خليجية إضافة إلى إيران.
والهدف الواضح من المقترح هو تحويل مسار تخصيب اليورانيوم من الداخل الإيراني إلى منشآت محايدة وتحت رقابة دولية مشددة، والحد من خطر الاستخدام العسكري للبرنامج النووي الإيراني. لكن هل هذا الطرح واقعي؟ وهل تملك واشنطن القدرة على إقناع الأطراف المتناقضة بالانضمام إليه؟
لماذا عُمان؟ ولماذا الآن؟
الموقع الجغرافي لعُمان، الواقعة على تقاطع الخليج والمحيط الهندي،والدور السياسي الذي تلعبه فهي أكثر دول الخليج التي تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، ولا تُعد طرفًا في النزاعات الخليجية الكبرى.
تاريخيًا، كانت عُمان قناة خلفية للمحادثات الأميركية-الإيرانية السرية التي مهدت لاتفاق 2015. كما أنها لم تشارك في الحصار على قطر أو التحالف العربي في اليمن، مما منحها صورة “الوسيط النزيه”.
الحسابات الأميركية
واشنطن ترى في سلطنة عُمان أرضًا خصبة لمشروع نووي محايد لعدة أسباب:ومنها
غياب التوترات الطائفية التي تُعيق التعاون الإقليمي في دول أخرى.
قبول خليجي ودولي لدور عُمان “المُهدّئ”.
استعداد بنيوي لاستضافة مشاريع دولية حساسة.
إيران: الموافقة المشروطة
إيران، التي لطالما ربطت برنامجها النووي بـ “السيادة الوطنية”، قد تنظر في المقترح من زاوية جديدة، خاصة مع اشتداد أزماتها الاقتصادية، وتراجع فرص التوصل إلى اتفاق شامل مع الغرب. لكن القبول الإيراني لن يكون مجانيًا أو سريعًا.
دوافع القبول:
اقتصادية: المشروع قد يتضمن تخفيفًا للعقوبات، أو على الأقل السماح لإيران بتصدير الوقود النووي المشترك، مما يفتح مصدر دخل جديد.
سياسية: الظهور كشريك إقليمي في مشروع سلمي يُحسن صورة طهران عالميًا.
استراتيجية: إعفاء المنشآت الإيرانية من الضربات الإسرائيلية المحتملة.
و إيران لن ترضى بتفكيك منشآتها، بل قد تقبل بتحويلها إلى مراكز بحثية تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية.
كما أن إيران تتحفظ على عمليات تفتيش “غير معلنة”، وهو ما قد يعرقل التنفيذ.
وحدة نووية للخليج أم سباق سلمي على النفوذ؟
من الناحية النظرية، المشروع يبدو فرصة لدول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، التي تطمح لتطوير برامج نووية سلمية. لكن في العمق، هناك شكوك حقيقية.
السعودية، التي تسعى لتخصيب اليورانيوم على أراضيها، لن تقبل بمشروع يعطي لإيران الأفضلية أو الغلبة الفنية.
الإمارات، رغم امتلاكها لمفاعل “براكة”، قد ترى في المشروع فرصة، لكنها ستطالب بضمانات لعدم استخدامه غطاءً لبرنامج نووي إيراني سري.
قطر والبحرين والكويت، لاعبو ظل في هذا الملف، وقد يرحبون بالمشروع كوسيلة لتحييد الخطر الإيراني.
النتيجة؟ مشروع معقد، هش، ويحتاج تنسيقًا غير مسبوق بين خصوم إقليميين، في وقت تعاني فيه المنطقة من انعدام الثقة
أين سيقام المفاعل في عمان ؟
عند دراسة الجغرافيا العُمانية، يظهر أن الموقع الأمثل لمثل هذا المشروع يجب أن يجمع بين العوامل التالية:
البُعد عن المناطق المأهولة بالسكان.
القرب من الموانئ البحرية لتسهيل نقل المواد.
القدرة على تأمين الموقع ضد أي اختراق عسكري أو إرهابي.
بناء على هذه المعايير، يمكن ترشيح منطقة الدقم، الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي لعُمان، كموقع مثالي،فهي تحتوي على ميناء حديث ومتطور،وهي بعيدة عن الحدود مع السعودية والإمارات.
تخضع لخطط تطوير اقتصادي كثيف يمكن أن تدمج المشروع فيها.
هل يقامر نتنياهو بحرب شاملة؟
رغم التحذيرات الأميركية، تؤكد رة مصادر إسرائيلية على أن نتنياهو مستعد للمخاطرة بتوجيه ضربة جوية “سريعة ومباغتة” للمفاعلات الإيرانية.
لكن هل تستطيع إسرائيل تنفيذ هذه العملية منفردة، دون دعم واشنطن؟
الاستعداد الإسرائيلي قائم، ويتضمن مناورات جوية تحاكي ضرب أهداف عميقة، وتحديث في سلاح الجو.
المشكلة التقنية الرئيسية: إيران عمّقت منشآتها النووية إلى أعماق تتجاوز قدرة القنابل الإسرائيلية التقليدية. تفتقر إسرائيل لقنابل Bunker Busters الأميركية.
هل تتحرك إسرائيل بدون إذن؟
من الناحية السياسية، من الصعب على تل أبيب تجاوز الخط الأحمر الأميركي، لكن نتنياهو، الذي يواجه أزمات داخلية كبيرة، قد يلجأ إلى التصعيد كوسيلة لصرف الأنظار.
لكن تنفيذ ضربة دون تنسيق سيكلف إسرائيل غاليًا:
رد فعل أميركي سلبي: قد يتضمن قطع التعاون الاستخباراتي، أو تعليق الدعم العسكري.
عزلة دبلوماسية دولية: أوروبا لن تُبرر ضربة تشعل المنطقة.
الرد الإيراني: من ديمونة إلى مضيق هرمز
إذا هاجمت إسرائيل، فلن تسكت طهران.
خيارات الرد الإيراني:
1. ضرب مباشر:
استهداف مفاعل ديمونة.
استهداف منصات الغاز في المتوسط.
هجمات بالصواريخ الباليستية على تل أبيب وحيفا.
2. رد غير مباشر:
عبر حزب الله: فتح جبهة شمالية بصواريخ دقيقة.
عبر الحوثيين: استهداف منشآت نفطية في السعودية والإمارات.
عبر الميليشيات العراقية: قصف قواعد أميركية.
3. تعطيل مضيق هرمز:
زرع ألغام.
مهاجمة ناقلات نفط.
هذا وحده كفيل برفع أسعار النفط عالميًا بنسبة تفوق 40%.
ما بين الفرصة الدبلوماسية والانفجار المحتمل
المقترح الأميركي بإنشاء مشروع إقليمي نووي في عُمان يبدو على الورق خطة ذكية لنزع فتيل الأزمة. لكنه في الواقع يواجه تحديات مركبة: غياب الثقة، الصراعات الإقليمية، الحسابات الداخلية للأطراف، والخطر المتربص في تل أبيب.
وإذا فشلت هذه المبادرة، فإن المنطقة لن تكون أمام مجرد أزمة دبلوماسية، بل أمام صيف متفجر، قد تتحول فيه الضربة المحدودة إلى حرب شاملة، تُغير معادلات الشرق الأوسط لعقود.
هل تُجرب واشنطن السلام؟ أم تترك الساحة لمغامرات نتنياهو؟
القرار النهائي لم يُتخذ بعد، لكن الأيام القادمة ستكون حاسمة. بين مشروع عُمان وضربة نتنياهو، يقف الشرق الأوسط أمام مفترق طرق قد لا يُمكن العودة منه.