
لاشك بأن بين مصر والمملكة العربية السعودية تاريخًا طويلًا وفصولًا متعاقبة من التعاون المشترك بين البلدين، حيث يجمعهما علاقات تاريخية ممتدة، وتواصل شعبي ورسمي لا يكاد ينقطع بين القاهرة والرياض على العصور والأنظمة المتعاقبة، وتزداد تلك العلاقات أهمية وخطورة في ظل الظرف التاريخي الصعب الذي يمر بالعالم بأسره وليس بإقليم الشرق الأوسط فقط، فحالة التصعيد الإسرائيلية “غير المسبوقة” على كافة الجبهات، وحالة عدم الاستقرار التي تضرب المنطقة من كافة أطرافها، تحتم على الدولتين الشقيقتين العمل المشترك للخروج بمنطقتنا إلى بر الأمان.
وإن كنا نريد أن نصف زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إلى القاهرة ولقائه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فأن أصدق ما يمكننا وصف هذه القمة الثنائية بأنها “قمة الفرص والتحديات المشتركة”، ولعل للمملكة لدى الدولة المصرية رصيدًا لا يمكن تجاوزه من الدعم، وكما يؤكد السيد الرئيس في أكثر من مناسبة فإن مصر “لا تنسى من وقف بجانبها ولا من وقف ضدها” وموقف المملكة والعديد من الأنظمة العربية والدول الشقيقة ودعمهم لمصر أثناء ثورة يونيو وما بعدها، لا يمكن نسيانه، ويمكننا دومًا البناء عليه للانطلاق نحو المستقبل.
ولنبدأ بالتحديات أولًا، فإن حالة عدم الاستقرار التي تثيرها جماعة الحوثيين في اليمن والتي تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي السعودي، هي أيضًا تمثل تحديًا مشتركًا ذا تأثير سلبي على مصر، فتحركات ميليشات الحوثيين تمثل تهديدًا صريحًا للملاحة في البحر الأحمر، ولها تأثيراتها السلبية على مصر، اقتصاديًا لما لها من تأثير في إيرادات قناة السويس التي تراجعت بما يقارب 50% نتيجة الأحداث في المنطقة، ولها أيضًا تأثيرات سلبية في محيط القرن الإفريقي وهو عمق استراتيجي مصري أصيل.
لا تقف التحديات عند ذلك الحد، بل إن تصاعد التهديدات الإيرانية الإسرائيلية المشتركة، وما يتبعها من تهديدات وصراعات على الأرض بين جماعات في العديد من الدول العربية ضد إسرائيل تمثل تهديدًا مشتركًا على المنطقة بأسرها، وليس على القاهرة والرياض وحدهما، مما يخلق ضرورة للتحرك المشترك نحو إيقاف نزيف الدم، وكذلك نزيف الاقتصاد، ونزع فتيل الحرب التي توشك أن تتسع دائرتها إلى حرب شاملة في المنطقة تمتد إلى العالم بأسره.
ولكن ليست التحديات فقط، بل الفرص أيضًا على أجندة تلك القمة، وأهمها على الإطلاق ملف التعاون الاقتصادي المشترك بين البلدين، حيث تمتلك مصر سوقًا واعدًا وكفاءات بشرية في كافة التخصصات يمكن أن تخلق شراكات استراتيجية مستدامة بين الدولتين، وكذلك فرصًا لا نهائية للاستثمار الأجنبي المباشر للقطاع الخاص السعودي في مصر، لا سيما في أعقاب نجاح صفقة رأس الحكمة والتي فتحت شهية العديد من المستثمرين العرب للانطلاق نحو القاهرة باعتبارها مقصدًا هامًا للاستثمارات المليارية الضخمة، خاصة بعد الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومة لدعم الاستثمار في مصر وتسهيل سبل تعزيزه.
باختصار، نحن أمام فصل جديد من كتاب العلاقات المصرية السعودية الممتلئ بصفحات “التعاون المشترك” والتي بات واضحًا بأن الدولتين الشقيقتين واللتان تمثلان ثقلًا إقليميًا ودوليًا كبيرًا قد بدأ في كتابة ذلك الفصل نحو “تمديد لشراكة استراتيجية بين الدولتين” و”توسيع لإطار التعاون المشترك” لجني ثمار الفرص وتجاوز العقبات والتحديات معًا، نحو مستقبل أفضل للقاهرة والرياض وللمنطقة بأسرها.