
لاشك أن المجتمع المصري تأثر تأثرًا بالغًا بالأحداث العالمية، والأزمات والتحديات والصراعات الدولية التي أثرت بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية في كثير من البلدان، فارتفعت الأسعار واضطربت حركة الأسواق، وزادت معدلات التضخم، الأمر الذي دفع الحكومة والجهات المعنية بدراسة الأوضاع وتسريع وتيرة البحث عن حلول وآليات جديدة، تُمكّن المواطن المصري من أن يحيا حياة كريمة في ظروف معيشية مناسبة تلائم مكانته وإنسانيته وتاريخه وحضارته العريقة.
وخطت الدولة خطوات منظمة، واتجهت لدراسة آليات وأساليب تضمن بها حق المواطن في مستوى معيشة أفضل يليق به، ويساعده على مواجهة الأعباء الجديدة، بما يتواكب رؤية الدولة التنموية ومفهوم الجمهورية الجديدة.
من بين هذه الدراسات، كان دراسة ملف الدعم وموارد الدولة المقدمة للمواطن، والبحث عن آلية أفضل هل هي دعم عيني أم دعم نقدي أم في صورة تجمع بين الآليتين؟، الأهم أن تكون الآلية قادرة على الجمع بين عدة أمور مهمة، على رأسها ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه والحفاظ على موارد الدولة من المتلاعبين والمحتكرين وجشع التجار، بغرض توفير الحماية اجتماعية حقيقية للشعب في وطن يحمل هموم أبنائه على عاتقه، ويحرص تلبية احتياجاتهم ورفع الأعباء عن كاهلهم، ليعيشوا حياة كريمة.
تقدم الدولة المصرية لمواطنيها، دعما قيمته تفوق 636 مليار جنيها، قابل للزيادة مع الزيادة المطردة للسكان، ودعما سلعيا وخبز يتخطى 135 مليار جنيها.. بالبحث، تواجه الدولة مشكلة وأزمة كبيرة فيما يتعلق بالدعم والتأكد من توجيهه لمستحقيه، حيث تم رصد العديد من القضايا والمخالفات التي تشير إلى التلاعب بالدعم وتوجيه السلع إلى السوق السوداء وسيطرة التجار والمحتكرين، الأمر الذي يعني ضياع موارد الدولة وتربح الكثيرين من وراء الأمر، ومن ثم يسعى الجميع إلى القضاء على هذه الأشكال المتعددة من الفساد بالبحث عن آلية محكمة لتقديم الدعم لمستحقيه من المواطنين.
من هنا، كان تحرك الدولة المصرية وكافة الجهات المسؤولة للبحث عن رؤية واستراتيجية محكمة لتحقيق التوازن والمعادلة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه وكذلك الحفاظ على موارد الدولة من الاستغلال والضياع وإنقاذها من الفاسدين، وذلك من خلال آليات تتناسب مع تلك الأوضاع الاقتصادية حتى تساهم فى دعم محدودى الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية لدى المواطن المصرى، ورفع الأعباء عن كاهله وتلبية احتياجاته التي تمكنه من مواجهة التحديات الراهنة.
ولضمان الوصول إلى أفضل الآليات، كان حتما طرح هذا الملف لحوار مجتمعي يتشارك فيه الجميع لوضع آلية لتقديم الدعم – سواء كان في صورته العينية أو تحويله إلى نقدي – ليكون أكثر فعالية في مواجهة الفقر، وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية للفئات المهمشة، والنظر إلى المميزات والعيوب والمقارنة بينهما، والتعرف على أفضل آليات تقديم الدعم للمواطنين المستحقين، هل في صورته العينية أم النقدية، أم بالجمع بينهما؟.
إن الحوار المجتمعي هو ما سيذهب بأفكاره ومقترحاته إلى الطريقة الأنسب، والتي تضمن إصلاح منظومة الدعم وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، من خلال توجيه الدعم إلى مستحقيه من الفئات الأكثر احتياجاً لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وتقليل الفقر، بما يضمن تعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال هذه الحزمة من البرامج التي تحمي المواطنين من الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية.
إن الدعم العيني يوفر للمستفيدين السلع والخدمات الأساسية مباشرة مثل الغذاء أو الوقود، مما يضمن وصول الدعم إلى المستحقين دون إساءة الاستخدام ويُمكن أن يساعد في تثبيت أسعار السلع الأساسية وتخفيف العبء عن الفئات الفقيرة، لكنه يمكن أن يؤدي إلى هدر بسبب سوء إدارة التوزيع أو الفساد، كما أن التكاليف الإدارية لنقل وتوزيع السلع قد تكون مرتفعة، أما الدعم النقدي، فيمنح الأفراد حرية اختيار كيفية إنفاق المال وفقًا لاحتياجاتهم الفعلية، مما يعزز الاستقلالية والمسؤولية الشخصية و يقلل من الهدر الإداري ويزيد من الكفاءة في توزيع الموارد، لكنه قد يؤدي إلى التضخم أو ارتفاع الأسعار إذا لم يتم تنظيم الأسواق بشكل جيد.
وأتصور أن الحوار الوطني الذي استطاع أن يساهم في حل الكثير من المشكلات من خلال مشاركة جميع الفئات والأفكار والأيدولوجيات المختلفة، قادر على صناعة قرار ووضع آليات محكمة من خلال استخدام الحوكمة والتحول الرقمي والتقدم التكنولوجي في ضمان وصول الدعم للفئات المستحقة.