
تتصاعد التساؤلات في الأوساط الإقليمية والدولية بعد حادثة استهداف قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطر، في وقت تواصل فيه إسرائيل عمليات الإبادة في غزة منذ أكثر من عامين.
هذا الحدث المفاجئ أعاد إلى الواجهة ملفًا حساسًا يتعلق بإمكانية نقل الفصائل الفلسطينية المعركة مع الاحتلال إلى الخارج، في خطوة قد تغير قواعد الاشتباك التقليدية التي ظلت محصورة إلى حد كبير داخل الأراضي الفلسطينية.
استهداف نوعي يفتح باب التكهنات
مصادر دبلوماسية وأمنية أشارت إلى أن الهجوم، الذي استهدف أحد مقرات الحركة في الدوحة، حمل رسائل واضحة مفادها أن إسرائيل مستعدة لتوسيع نطاق عملياتها الأمنية ضد قيادات حماس في أي مكان.
وعلى الرغم من تكتم السلطات القطرية والإسرائيلية على التفاصيل، أكدت تقارير إعلامية غربية أن الهجوم استهدف اجتماعًا سريًا لقيادات سياسية بارزة في الحركة، في وقت تشهد فيه غزة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق منذ اندلاع حرب 7 أكتوبر 2023.
ويرى مراقبون أن هذه العملية ليست مجرد حادث أمني، بل تحمل دلالات استراتيجية، إذ تكشف عن اختراق أمني إسرائيلي في منطقة تعتبرها حماس ملاذًا آمنًا لقياداتها السياسية. كما يعكس الاستهداف رغبة تل أبيب في توجيه رسائل ردع للفصائل الفلسطينية وحلفائها الإقليميين.
معركة ممتدة منذ عامين
تزامن هذا التطور مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، والذي خلّف آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب دمار هائل في البنية التحتية. وتصف منظمات حقوقية دولية هذه العمليات بأنها جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية، بينما تواصل إسرائيل تبرير حملاتها العسكرية بأنها “حرب على الإرهاب” ضد حركة حماس.
ومنذ هجوم طوفان الأقصى الذي شنته كتائب القسام في 7 أكتوبر 2023، تحوّلت غزة إلى ساحة مواجهة مفتوحة، حيث فشلت إسرائيل في القضاء على البنية العسكرية للحركة رغم الحصار الخانق والضربات المتواصلة. وفي ظل هذه المعطيات، بدأ قادة حماس يلمحون إلى أن الصراع قد يتجاوز حدود فلسطين إذا استمر الاحتلال في التصعيد.
تساؤلات حول نقل المعركة للخارج
أثار استهداف قادة حماس في قطر موجة من التساؤلات حول ما إذا كانت حركة المقاومة ستقرر نقل المواجهة إلى الساحة الخارجية، في محاولة لفرض معادلات جديدة على إسرائيل.
ويرى محللون أن هذا الاحتمال لا يتعلق فقط بقدرة الحركة على توسيع عملياتها، بل بمدى استعدادها السياسي والعسكري لإنهاء القطيعة الطويلة مع مثل هذا النهج، خصوصًا بعد أن تجنبت الحركة لسنوات أي عمليات خارجية قد تضر بعلاقاتها مع الدول الداعمة.
ويؤكد خبراء في الشؤون الأمنية أن لدى حماس قدرات استخباراتية وشبكات دعم في عدة دول، ما قد يمكنها من تنفيذ عمليات نوعية ضد المصالح الإسرائيلية حول العالم، سواء عبر استهداف شخصيات بارزة أو مواقع استراتيجية. إلا أن اتخاذ قرار كهذا يحمل مخاطر كبيرة، أبرزها فقدان الدعم السياسي والدبلوماسي الذي حصلت عليه الحركة في السنوات الأخيرة.
قطر بين الضغوط والمواقف الثابتة
تضع هذه التطورات دولة قطر في موقف دقيق، فهي تلعب دورًا محوريًا في الوساطات الإقليمية والدولية، كما تستضيف المكتب السياسي لحماس منذ عام 2012. وتشير تقارير إلى أن الدوحة تتعرض لضغوط غربية وإسرائيلية متزايدة لتقييد أنشطة الحركة على أراضيها، خاصة بعد فشل الجهود الرامية إلى التوصل لهدنة طويلة الأمد في غزة.
ورغم ذلك، أكدت قطر في بيان رسمي أنها “لن تتخلى عن دورها الإنساني والدبلوماسي” في دعم الشعب الفلسطيني، داعية المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف عمليات الإبادة في غزة. ويرى محللون أن قدرة قطر على الحفاظ على توازنها السياسي ستكون عاملاً حاسمًا في منع توسع الصراع خارج حدود فلسطين.
ردود فعل دولية وتحذيرات من التصعيد
الاستهداف الإسرائيلي في قطر قوبل بردود فعل متباينة من المجتمع الدولي. فقد أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق من توسع دائرة الصراع، محذرة من أن أي عمليات خارجية قد تهدد الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. كما دعت دول مثل تركيا وإيران وماليزيا إلى تحقيق دولي شفاف، مؤكدين أن استهداف قادة سياسيين في أراضٍ أجنبية يمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
في المقابل، التزمت الولايات المتحدة الصمت، مكتفية بالتأكيد على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهو ما فُسر على أنه ضوء أخضر لمواصلة سياسة الاغتيالات ضد قادة حماس أينما وجدوا.
سيناريوهات المواجهة المقبلة
أمام هذا التصعيد، تطرح عدة سيناريوهات للمشهد المستقبلي:
توسيع المواجهة الأمنية: قد ترد حماس بعمليات خارجية ضد أهداف إسرائيلية أو حلفائها، ما ينقل الصراع إلى مرحلة جديدة.
تعزيز العمل الدبلوماسي، قد تختار الحركة تكثيف تحركاتها السياسية لكسب مزيد من الدعم الدولي ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.
تفاهمات غير معلنة، قد تؤدي الوساطات الإقليمية إلى تفاهمات تضمن سلامة قيادات الحركة مقابل تهدئة ميدانية.
ويرى مراقبون أن الخيار الثاني يبدو الأكثر ترجيحًا في المدى القريب، خاصة في ظل حرص حماس على الحفاظ على شبكة علاقاتها الدولية التي توسعت خلال العامين الماضيين.