
تشهد الساحة الدولية اليوم، الثلاثاء 23 سبتمبر 2025، تطورات غير مسبوقة في مسار القضية الفلسطينية، حيث يتواصل “طوفان سياسي” يعزل إسرائيل دبلوماسيًا ويعيد الاعتبار لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وجاءت هذه التحركات المتسارعة خلال أعمال مؤتمر حل الدولتين المنعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، والذي تحوّل إلى منصة لإعلان اعترافات جديدة بدولة فلسطين بعد عامين من هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي أطلقته حركة حماس تحت مسمى طوفان الأقصى.
موجة اعترافات دولية غير مسبوقة
منذ انطلاق الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، شهد العالم زخماً دبلوماسياً كبيراً، حيث أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال في 21 سبتمبر 2025 اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتنضم إلى أكثر من 140 دولة كانت قد اتخذت نفس الخطوة منذ إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988.
وفي 22 سبتمبر لحقت بها فرنسا ومالطا ولوكسمبورغ، في تحول سياسي مهم من دول غربية طالما ارتبطت تاريخيًا بعلاقات وثيقة مع إسرائيل.
وخلال جلسات اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025، شهد مؤتمر حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة بيانات دعم إضافية من دول أوروبية وأميركية لاتينية وآسيوية، في مقدمتها إسبانيا، النرويج، أيرلندا، سلوفينيا، بلجيكا، والمكسيك، حيث أكدت هذه الدول في كلماتها الرسمية دعمها الصريح لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أبدت دول مثل اليونان والبرازيل وجنوب أفريقيا تأييدها القوي للمسار الجديد، ما يرفع عدد الدول الداعمة إلى أكثر من 150 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
عزلة إسرائيل تتعمق في المحافل الدولية
هذه الموجة المتسارعة من الاعترافات، والتي وُصفت في الأوساط الدبلوماسية بـ”الطوفان السياسي”، جاءت بالتزامن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومحاولات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وباتت إسرائيل تواجه اليوم عزلة غير مسبوقة، إذ تحولت جلسات الأمم المتحدة إلى منصة لانتقاد سياساتها العسكرية والاستيطانية، خاصة في ظل استمرار التقارير الأممية حول جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية في غزة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الاعترافات بأنها “مكافأة للإرهاب بعد هجوم 7 أكتوبر”، متوعدًا بردود دبلوماسية وعسكرية.
وأكدت وسائل إعلام عبرية أن الحكومة الإسرائيلية تبحث خيارات لضم غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية كخطوة مضادة، في حين دعا وزراء متشددون مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى “سحق السلطة الفلسطينية” وفرض السيادة الكاملة على الأراضي المحتلة.
مؤتمر حل الدولتين.. خارطة طريق جديدة
يأتي مؤتمر حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية الذي تستضيفه الأمم المتحدة كإحدى أبرز المحطات السياسية منذ عقود، حيث يهدف إلى إحياء عملية السلام وفق مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. وقدمت الدول الداعمة لفلسطين مقترحات عملية تشمل:
وقف إطلاق النار الفوري في غزة ورفع الحصار الإنساني.
إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين من الجانبين.
وقف الاستيطان الإسرائيلي بشكل كامل في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وضع جدول زمني ملزم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن هذه الاعترافات “خطوة تاريخية تعيد الأمل بحل عادل ودائم”، داعيًا جميع الأطراف إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي وعدم تقويض فرص السلام.
أهمية الاعترافات وتأثيرها القانوني
يرى خبراء القانون الدولي أن هذه الاعترافات تمثل تحولاً جوهريًا في ميزان القوى الدبلوماسي. فاعتراف أكثر من 150 دولة بدولة فلسطين يمنحها:
شرعية قانونية متقدمة تمكّنها من السعي إلى الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بعدما كانت دولة مراقب منذ عام 2012، وقدرة أكبر على الانضمام إلى منظمات دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ومحكمة العدل الدولية (ICJ)، ما يتيح ملاحقة قادة الاحتلال الإسرائيلي بتهم ارتكاب جرائم حرب، وتعزيز حضورها في التكتلات الإقليمية والدولية كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومنظمة الدول الأميركية.
ويؤكد محللون أن هذا التحول يضعف النفوذ الأميركي الذي لطالما حال دون تمرير قرارات أممية داعمة لفلسطين، خاصة أن بعض حلفاء واشنطن التقليديين كفرنسا وكندا وبريطانيا بدأوا يتخذون مسارات أكثر استقلالية.
تحديات أمام السلام
ورغم هذا الزخم الدبلوماسي، يرى مراقبون أن الطريق نحو حل الدولتين لا يزال مليئًا بالعقبات. فإسرائيل، المدعومة من بعض القوى الكبرى، ترفض حتى الآن الاعتراف بأي دولة فلسطينية ذات سيادة، فيما تواصل توسيع مستوطناتها.
كما يظل غياب إجراءات عقابية واضحة ضد الاحتلال، مثل فرض عقوبات اقتصادية أو حظر تصدير الأسلحة، من أبرز نقاط الضعف في التحرك الدولي.
ويحذر خبراء من أن الاعترافات قد تبقى رمزية إذا لم تتبعها خطوات عملية، تشمل قرارات ملزمة من مجلس الأمن وتشكيل لجان مراقبة دولية لحماية الأراضي الفلسطينية من التهويد والاستيطان.
نحو مرحلة جديدة في الصراع
في ضوء هذه التطورات، يؤكد محللون سياسيون أن طوفان الأقصى العسكري عام 2023 قد تحوّل إلى طوفان سياسي ودبلوماسي عام 2025 يعيد رسم خريطة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
فمع انضمام دول وازنة مثل فرنسا، بريطانيا، كندا، أستراليا، البرتغال، مالطا، لوكسمبورغ، إسبانيا، النرويج، أيرلندا، سلوفينيا، بلجيكا، البرازيل، وجنوب أفريقيا إلى قائمة الداعمين، تتزايد الضغوط على تل أبيب للانخراط في عملية سلام حقيقية أو مواجهة عزلة قد تكون الأشد في تاريخها.