
منذ أن بدأت إيران مشروعها النووي في منتصف الثمانينيات، ثم تسارع بشكل أكبر بعد عام 2002 عقب الكشف عن منشآت نطنز وأراك، خصصت إيران موارد مالية هائلة لبناء بنية تحتية نووية قادرة على الصمود والردع.
كم مليار دولار أنفقتها إيران؟
بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومراكز أبحاث أمريكية وأوروبية كـ”كارنيغي” و”معهد العلوم والأمن الدولي”، فإن إيران أنفقت ما بين 80 إلى 100 مليار دولار أمريكي على برنامجها النووي خلال العقود الأربعة الماضية، شملت:
بناء المفاعلات (فوردو، نطنز، أصفهان، بوشهر، أراك).
تطوير أجهزة الطرد المركزي، وصولًا إلى الجيل التاسع IR-9.
تدريب آلاف العلماء والفنيين.
إقامة بنية تحتية تحت الأرض لحمايتها من القصف.
إنشاء مصانع إنتاج قضبان الوقود النووي.
وتقول تقديرات أخرى إن البرنامج النووي وفّر لإيران أكثر من 20 مليار دولار سنويًا في واردات الطاقة من خلال تطوير قدرات الطاقة البديلة، ما يعني أن البرنامج لم يكن مشروعًا عسكريًا فقط، بل مشروعًا استراتيجيًا وطنيًا يلامس أمن الطاقة والتنمية.
خسائر إيران جراء الضربة الأمريكية
رغم الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها إيران، والتي شملت إخلاء بعض المواقع الحيوية كما كشفت صور أقمار صناعية نشرتها صحيفة واشنطن بوست – حيث ظهرت عشرات الشاحنات أمام منشأة فوردو قبل الضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية بيومين – فإن الخسائر المالية المباشرة تبقى فادحة.
بحسب تقديرات أولية من مراكز تحليل عسكرية غربية، فإن:
منشأة نطنز تعرضت لتدمير ما لا يقل عن 40% من البنية التحتية فوق الأرض.
أصفهان شهدت تدمير قاعات التشغيل ومباني التبريد ومحطات الطاقة المساعدة.
فوردو تعرضت لأضرار محدودة بسبب عمقه، لكن بعض المرافق التكميلية دُمّرت.
الخسائر التقديرية للضربة الأمريكية تترواح بين 4 إلى 6 مليارات دولار على الأقل، تشمل البنية التحتية، المعدات، والقدرة التشغيلية الفورية.
وكانت المواجهة بين الولايات وإيران قد دخلت منعطفًا بالغ الخطورة فجر اليوم حين نفذت القوات الجوية الأمريكية واحدة من أضخم الضربات الجوية على الإطلاق ضد منشآت نووية إيرانية، في عملية استباقية تستهدف ما تسميه واشنطن “شلّ البنية التحتية للقدرات النووية الإيرانية”.
ففي تمام الساعة 2:47 فجرًا بتوقيت طهران، حلّقت قاذفات الشبح B-2 Spirit الأمريكية – الأغلى والأكثر تطورًا في الترسانة الأمريكية – من قواعد سرية في الخليج والبحر الأبيض المتوسط، ترافقها طائرات استطلاع إلكترونية وطائرات حرب سيبرانية.
الضربة استهدفت ثلاثة مواقع تعتبر الركائز الأساسية للبرنامج النووي الإيراني:
مفاعل فوردو، المدفون تحت جبل في محافظة قم والمحصّن ضد أي قصف تقليدي.
منشأة نطنز، مركز تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي.
مجمع أصفهان النووي، حيث يتم تطوير أجهزة الطرد المركزي الأحدث وتخزين كميات من اليورانيوم المخصب.
وتم استخدام قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU-57 المعروفة باسم “موب – MOP”، وهي القنابل المصممة خصيصًا لتدمير المنشآت العميقة والمحصنة.
وبحسب تقارير من معاريف الإسرائيلية والبنتاغون، بلغ إجمالي المتفجرات المستخدمة في الضربة أكثر من 17 طنًا، ما يجعلها الضربة الأضخم ضد أهداف نووية في التاريخ الحديث.

هل خرجت المفاعلات الإيرانية من الخدمة إلى الأبد؟
الواقع أن الضربة لم تكن كفيلة بإخراج البرنامج النووي الإيراني من الخدمة بشكل دائم، وذلك لعدة أسباب:
1. عمق التحصينات: منشأة فوردو بُنيت داخل جبل عملاق على عمق يتجاوز 80 مترًا من الصخور الصلبة، ولم تصب إلا جزئيًا.
2. المرونة الإيرانية: إيران عمدت إلى توزيع بنيتها النووية بين مواقع متعددة، وبعضها غير معروف دوليًا، مما يجعل عملية “الشلل الكامل” مستحيلة.
3. النقل المسبق: كما تؤكد صور الأقمار الصناعية وتصريحات مسؤولين إيرانيين، فإن اليورانيوم المخصب والأجهزة الحساسة نُقلت إلى مواقع بديلة قبل الضربة، ما حافظ على نواة البرنامج وطاقته العلمية.
4. الخبرات البشرية باقية: البرنامج النووي الإيراني لم يُبَنَ على المعدات فقط، بل على عقول آلاف العلماء المدربين في الداخل والخارج، وهؤلاء لا يمكن “قصفهم”.
المشروع لم ينتهِ… بل دخل مرحلة أكثر دهاءً
إذا كانت الولايات المتحدة تهدف من خلال هذه الضربة إلى إنهاء المشروع النووي الإيراني، فإن النتيجة ستكون عكسية تمامًا.
فقد خرجت إيران رغم الخسائر وهي أكثر تصميمًا على استئناف التخصيب، وأكثر خبرة في مواجهة الضربات،وأشدّ اقتناعًا بأن امتلاك السلاح النووي أو عتبة الاقتراب منه، ليس خيارًا بل أصبح ضرورة استراتيجية للبقاء.
البرنامج النووي الإيراني لم ينتهِ… بل دخل مرحلة جديدة، تُدار بالعقل البارد، والردع الذكي، والإصرار الطويل النفس.
والمنطقة كلها تستعد لجولة جديدة من التوازنات، تبدأ حيث ظنت واشنطن أنها أنهت القصة.
وإيران لا تكتب نهاياتها… بل تعيد كتابة قواعد اللعبة.