
تعيش مصر مرحلة جديدة ومتميزة من تاريخها السياسي، تتسم بالتفاؤل والإصرار على تحقيق الإصلاح والتغيير من خلال الحوار الوطني الذي يعد أحد أهم الأدوات التي أطلقتها القيادة السياسية لتفعيل هذا التغيير، فهو ليس مجرد تجمع للنخب السياسية أو فرصة للنقاش الأكاديمي، بل هو نقطة تحول جوهرية في مسيرة التنمية السياسية والاجتماعية للبلاد.
منذ انطلاقه، يهدف الحوار الوطني إلى خلق مناخ من التعاون البناء بين مختلف القوى السياسية، سواء تلك التي تمثل الحكومة أو المعارضة، كمبادرة لتعزيز الديمقراطية من خلال مناقشة القضايا الأكثر إلحاحا، مثل قضايا الدعم، الأمن القومي، الإصلاح الاقتصادي، وأيضا التحديات السياسية التي تواجه مصر ؛ و أهم ما يميز الحوار الوطني شموليته وحرصه على أن يكون منبرا لجميع الأصوات السياسية، بما في ذلك تلك التي كانت مهمشة لفترة طويلة ، و هذا التعدد يؤكد التزام الدولة بإحداث تغيير حقيقي في شكل ومضمون العمل السياسي داخل البلاد ومواجهة التحديات التي تواجه الوطن و باتت الساحة السياسية المصرية في أمس الحاجة إلى هذا النوع من الحوارات التي تعزز التفاهم وتتيح فرصة للاستماع إلى جميع وجهات النظر.
ومن أهم نتائج الحوار الوطني تعزيز المشاركة السياسية و فتح الباب أمام قطاع أوسع من المواطنين للمشاركة في الشأن العام حيث لم يعد الفعل السياسي مقتصرا على نخبة صغيرة، بل أصبح للمواطن العادي دور مهم في النقاش الدائر حول مستقبل البلاد و اللقاءات والجلسات العديدة التي يعقدها مجلس أمناء الحوار الوطني تسمح بتفاعل أعمق بين المواطنين والسياسيين، مما يخلق قاعدة من الثقة المتبادلة التي تساهم في تقوية البنية السياسية للدولة، ولا يمكن تحقيق تنمية سياسية حقيقية دون إرساء مبادئ المشاركة والشفافية ويعزز الحوار الوطني هذه المبادئ من خلال إتاحة الفرصة لمناقشة قضايا تهم جميع شرائح المجتمع، كالبطالة والتعليم والصحة والإسكان و كل هذه المناقشات لا تعزز فقط من مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين، بل تضع الحكومة أمام مسؤولياتها في إيجاد حلول واقعية للمشاكل القائمة.
إلى جانب التنمية السياسية، للحوار الوطني هناك بعد اجتماعي عميق، وفي بلد كمصر يعاني من تحديات اجتماعية معقدة، مثل الفقر والتفاوت الاقتصادي بين الطبقات الاجتماعية، يمكن أن يكون الحوار الوطني منصة لمعالجة هذه القضايا من منظور أعمق وأكثر شمولية حيث تحتاج التنمية الاجتماعية إلى مشاركة مجتمعية واسعة وطرح حلول متكاملة و على سبيل المثال، مشكلة البطالة تتطلب حلولا اقتصادية، ولكنها أيضا تتطلب إعادة النظر في هيكلة التعليم والتدريب المهني لضمان توافق المهارات المكتسبة مع متطلبات سوق العمل والحوار الوطني فرصة ذهبية لمناقشة مثل هذه القضايا بشكل شامل، ويشجع على التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل وضع خطط تنموية فعالة.
أحد أهم جوانب الحوار الوطني أيضا العمل على تشكيل رؤية جديدة لمصر المستقبل، و هذه الرؤية تتطلب التفكير خارج الأطر التقليدية، والتفاعل مع المتغيرات العالمية والإقليمية في ظل التحديات الإقليمية الكبيرة التي تواجه مصر ، أبرزها النزاعات في المنطقة والتغيرات الاقتصادية العالمية، ولا يمكن فصل هذه التحديات عن أجندة التنمية الوطنية كما يمثل الحوار الوطني فرصة لمصر لتأكيد مكانتها كلاعب إقليمي محوري، خاصة في مجالات الدبلوماسية والتنمية المستدامة من خلال دعم الحوار والنقاش المفتوح حول القضايا الإقليمية، والتي ستمكن مصر من المساهمة في صياغة سياسات جديدة تتماشى مع التحديات الراهنة، وتؤكد على دورها القيادي في المنطقة.
بالرغم من أن الحوار الوطني قد أثمر عن نتائج إيجابية حتى الآن، إلا أن التحديات ما زالت قائمة و أهم هذه التحديات تتمثل في القدرة على تحويل التوصيات التي يتمخض عنها الحوار إلى سياسات تنفيذية فعالة وهنا يأتي دور الحكومة في ضمان متابعة التنفيذ وتقييم النتائج بشكل مستمر كما أن الحوار الوطني يحتاج إلى أن يكون مستداما، وألا يقتصر على فترة زمنية محددة أو موضوعات معينة ولكن يجب أن يكون هناك آلية دائمة للتفاعل بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، لضمان أن كل صوت يمكن أن يسمع وكل قضية يمكن أن تناقش.
في الختام : الحوار الوطني نقطة تحول محورية في مسار التنمية السياسية والاجتماعية وفرصة للنقاش الشامل والتفاعل بين مختلف الأطراف، و تعزيز المشاركة السياسية ومعالجة القضايا الاجتماعية الملحة ولكن في الوقت نفسه يتطلب الحوار الوطني التزاما جادا من جميع الأطراف لضمان تحقيق أهدافه وترجمة التوصيات إلى سياسات فعالة ومستدامة.