
«الإمام الثائر» أو كما وصفه المفكر العظيم الدكتور رفعت السعيد «إمام المجددين» كرجل إصلاح وتفكير يريد تغيير المجتمع، وإصلاحه بالتدريج عن طريق التعليم ومواجهة الجمود والتخلف.
فقد استطاع الإمام محمد عبده بالفعل أن يوقظ الشعور الدينى، وأن يشعر المسلمين أنهم يجب أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم، وألا يعتمدوا على الفخر بماضيهم، بل يبنوا من جديد لحاضرهم ومستقبلهم، وذلك من خلال كتاباته ومحاضراته المتنوعة والتى تدعو إلى أن العقل يحكم كما يحكم الدين، فالدين عرف بالعقل، ولا بد من اجتهاد يعتمد على الدين والعقل معاً حتى نستطيع أن نواجه المسائل الجديدة فى المدنية الجديدة، ونقتبس منها ما يفيدنا، لأن المسلمين لا يستطيعون العيش فى عزلة، ولا بد أن يتسلحوا بما تسلح به غيرهم.
عزيزى القارئ..
السطور القليلة القادمة لن تسعفنى لكى أعرض كل فتاوى الإمام وآرائه المختلفة، ولكن سأحاول أن أستعرض بعضًا منها، ليس رداً على أقاويل ومزاعم البعض من دعاة الدين، وإنما ظناً منى أننى أستطيع من خلالها أن ألفت النظر لإحياء تراث الأستاذ الإمام وأمثاله من المجددين المعبر عن روح العصر والتقدم، وظنا منى أيضاً أننا نحتاجه الآن كسلاح للعقل ونحن على أعتاب جمهوريتنا الجديدة.
ولنبدأ الرحلة..
«وليس فى القرآن شىء من التاريخ، من حيث هو قصص وأخبار الأمم والبلاد، وإنما هى الآيات والعبر تجلت فى سياق الوقائع بين الرسل وأقوالهم لبيان سنن الله فيهم.. فليس القرآن تاريخاً ولا قصصاً، وإنما هداية وموعظة».
«إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل.. ولكل مسلم أن يفهم عن الله، من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا خلف».
«والاجتهاد يجب أن ينبع من حالة العصر ويعبر عنه، وليس هناك أى اجتهاد يلزم المسلم فى جميع العصور، فمتى انقضى العصر وزالت مقتضياته، زال معها ما يخصه من الاجتهاد، وما رافقه من الأحكام وعلى المسلم أن يتبصر دائماً بالقرآن والسنة، ويجتهد فى أعماله وأفكاره بما يلائم عصره الذى يعيش فيه، وعليه ألا يتحرج من الاختلاف بين ما يصل إليه باجتهاده وعقله، وبين ما وصل إليه السابقون من المسلمين».
«فالإسلام لا توجد به سلطة دينية، ولم يجعل للقاضى أو المفتى، أو لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام».
عزيزى القارئ..
ما سبق كان بعضاً من آراء الأستاذ الإمام محمد عبده وطريقته فى التفكير، فقد مات وخلف من آرائه كلها مدرسة قوية الأثر واضحة المعالم توقن بأن المشكلة ليست فى الدين، وإنما فى الفهم الخاطئ له، وما تراكم على هذا الفهم من أفكار استمرت فى الوجود واكتسبت قداسة طمست حقيقة الإسلام التى تدعو للبناء والرقى المادى والروحى، باتساع المكان والزمان ووفق متطلبات كل عصر.
وأخيراً..
إذا كان الأستاذ الإمام قد مات وفى نفسه غصة من أنه لم ينل ما يريد، فعزاؤه أن الصالح من أفكاره لم يمت، وظل يعمل فى موته كما كان يعمل فى حياته.
رحم الله الإمام الثائر.





