الأربعاء، 15 أكتوبر 202504:18 م
آراء حرة

أسعد هيكل يكتب: خطة ترامب.. تسليم حماس ومباركة العرب

الإثنين، 13 أكتوبر 2025 10:23 مساءً
أسعد هيكل يكتب: خطة ترامب.. تسليم حماس ومباركة العرب
أسعد هيكل – محامي
15

الواقع المرير الحالي للعرب، والواقع الذي قاله الرئيس الاميركي ترامب في خطابه الطويل امام الكنيست الاسرائيلي، والذي دار ملخصه حول مساعدته لاسرائيل ومدها بالسلاح في حربها علي غزة، واقراره احتلالها للجولان واعترفه بالقدس عاصمة لها، ثم توجهه بعد ذلك الي شرم الشيخ، بعد انتظار المجتمعون له هناك لمدة طويله لاستلام مفتاح غزة، بمباركة القادة العرب له باعتباره رئيس مجلس الادارة الجديد لقطاع غزة، تحت مسمي مجلس السلام الدولي، وفقاً لبنود خطته.

ولذا فان إفراط بعض العرب في المبالغة في مظاهر الفرح، واطلاق الكلمات والشعارات التاريخية الجوفاء، في ظل تلك المعطيات بات شيء غير مقبول !! فالواقع ايضاً يقول ان الاسرائليين لم ينسحبوا من غزة، سوي من حوالي نصف الارض تقريبا بعد ان دمروا اكثر من ٩٠%منها، وقتلوا سبعة وسبعون الف شهيد ، بعضهم مات جوعاً، و هناك نحو 170 الف جريح فلسطيني فضلا عن نزوح وتشريد الملايين منهم، في جرائم حرب لم يشهد تاريخ الانسانية الحديث مثلها.

لكن علي كل متابع او باحث متجرد عن الهوي، ان ينحي العاطفة جانبا ويستخدم العقل والمنطق حين يفكر فيما حدث بغزة وفيما سيحدث فيها بعد كل هذا القدر من الابادة والدمار.

فوفقا لخطة ترامب التي اراها خدعة اكثر منها خطة سلام حقيقية، جري تسليم وتبادل الاسري بين حماس واسرائيل، مع ملاحظة ان اسرائيل قد حصلت علي كل اسراها، بينما لم يحصل العرب علي كل اسراهم، وتعاصر ذلك مع تراجع الجيش الاسرائيل الي خط اخر من خطوط الحرب داخل غزة ، مع احتفاظه بكامل منطقة رفح وعدة محاور وخطوط اهما خط الحدود مع مصر المعروف باسم محور فلادفيا والذي يمتد بينها وبين قطاع غزة الي نحو 14 كيلو متر.

والذي يلاحظ ويري حال الفلسطينين الان في غزة، بكل تجرد كما ذكرت، سيري حزناً في العيون وقهرا عميقا في نفوس الغزاويين، حتي انه لا يوجد اي مظاهر فرح، سوي فرحة محدودة وممزوجة بالاسي والحزن من البعض بانتهاء الحرب والعودة الي ديارهم، بينما لم نري ما كنا نراه في الماضي عقب انتهاء كل حرب من احتفال بحماس وقادتها!!.

فلا شك ان حسابات حماس يوم السابع من اكتوبر عام 2023 حين هاجمت اسرائيل، في اضعف التقديرات، كانت حسابات خاطئة، عسكرياً وسياسيا، فقد كان من الغباء الفكري، علي سبيل المثال تصوير عناصر حماس وبثهم عبر الانترنت لمشاهد قتلهم للاسرائليين في هذا اليوم، والتي استغلتها اسرائيل واستثمرتها في البداية كمبرر لحرب ابادتها لشعب غزة الذي تكبد خسائر فادحة، ودفع ثمناً جسيما تحت حكم حماس.

والادهي والامر، انه ما ان وضعت الحرب اوزارها، حتي ادار الحمساويون السلاح تجاه ابناء شعبهم، في مبررات غير مقبوله، فجرت مواجهات مسلحة بينهم وسقط قتلي فلسطينيين بسلاح الفلسطينيين انفسهم، كان من بينهم الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوى الذي كان يغطي فاعليات الحرب وينتظر يوم وقفها، ليموت هو في ذات ذلك اليوم، ولكن للاسف بسلاح بني وطنه، فضلا عما رأيناه من مشاهد اعدام لفسطينيين علنا بالشارع، مع اطلاق صيحات التكبير، في ظل تلك الاجواء الحزينة التي يعيشها شعب غزة، في مشهد لا يليق بالانسانيه، حتي وان كان ذلك علي فرض انهم كما تزعم حماس عملاء !
اذ كان كان يمكن حبسهم واحتجازهم ثم تقديمهم بعد ذلك لمحاكمه عادله في وقت اخر، بعد هدوء الاحوال.

من المؤسف ان تظل جماعة الاخوان وفرعها في غزة حماس، تفكر بتلك العقلية القديمة وهذا المنهج الذي عفي عليه الزمان، واثبت فشل تطبيقه في مصر بعد تجربة قاسية وداميه لحكمهم هنا، ولذلك كنا ننصحهم كثيرا قبل سقوط حكمهم، ولازلنا ننصحهم، ان يعيدوا النظر في مشروعهم الفكري الفاشل، الذي افشل ثورتنا، وأخرنا كثيرا، وكبدنا في مصر وكبد ابناء غزة خسائر فادحه.

والمدهش ان ترامب حين سال عن ممارسات حماس هذه ضد ابناء شعبهم، بعد وقف الحرب، عند مغادرته امريكا ليلا وهو في طريقه الي شرم الشيخ لحضور قمة السلام، اجاب، انه اذن لحماس ان تفرض الامن في غزة !! وهو ما يضع علامة استفهام كبيره هنا، خاصة ان المراحل التاليه لتطبيق خطته تشمل تسليم حماس للسلاح ورفع يدها عن ادارة عزة ؟!

تسليم السلاح والخروج الآمن لقيادات حماس، هكذا تضمنت المرحلة الثانية من خطة ترامب، وكانت قد اتفقت ايضاً قبل ذلك بعدة شهور عدة دول في مؤتمر عقد بمدينة نيويورك من بينهم مصر وقطر والسعودية، مقابل انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة.

مع ملاحظة ان ذلك الاتفاق يشمل ضمان امن وسلامة قيادة حماس وعدم ملاحقتهم، وهذا ما اعتقد ان ترامب قد وقع عليه ضمن ما وقع بمؤتمر شرم الشيخ وشهد عليه وباركه قادة العرب وبعض قادة دول العالم.

والحقيقة التي قد يرفضها البعض، ويأباها الشعور القومي العربي اننا اصبحنا الان امام ما يشبه ما حدث من نكبات للعرب في عام 1917 وعام 1948 وعام 1967، فالنقطة الاخيرة في خطة ترامب، اذا ما سارت مراحلها علي نحو ما تسير، ستكون هي تسليم ادارة قطاع غزة الي الرئيس الاميركي ترامب بمعاونه شخصيات اخري دولية تحت مسمي مجلس السلام العالمي، وبهدف يبدوا انه نبيل وهو اعادة اعمار غزة، وهنا يكمن القلق والتحفظ علي تلك الخطة، والتي قد تنقلب الي خدعة في ضوء تجارب التاريخ وتقلباته! وهو ما يدعو العرب الي التحسب، وحساب ومراجعة انفسهم.

هذا هو الواقع الذي يجب ان نواجه به انفسنا بكل صدق ومصداقية وشجاعة، فاذا كان الاسرائليون يشكلون لجان تحقيق ومحاسبه ويراقبوا كل شيء يحدث لهم منذ ٧ اكتوبر2023، بل منذ نحو مائة عام وحتي الان، بل يفعلون ذلك مع كل حدث تمر به اسرائيل، ولذا فهم يتقدمون باستمرار.

فانه علي الجانب الاخر، غالبا، لا يحرك العرب ساكناً، واذا اردنا انصافاً ومعالجة للاخطاء، كي نتقدم، فعلي الاخوان وحماس ان يراجعوا فكرهم ومواقفهم، وعلي العرب ايضا ان يحاسبوا انفسهم بكل شجاعة وصدق ومسئولية عن الاخطاء التي ارتكبوها منذ 1917 وحتي الان.

فهل تقوم جامعة الدول العربية، بمهامها وواجباتها، وينبثق عنها علي الاقل لجنة تحقق، ومحاسبة، تراجع وتبحث في كل تلك الاحداث؟
يبقي في الاخير ان نرسل بالتحية الي كل شاب وكل رجل وكل إمرأة وكل طفل فلسطيني، صمد ضد تهجيره واجباره علي ترك تراب بلاده، ودفع ثمنا جسيما من روحه و سلامة جسده وحريته في سبيل قضيته العادلة.

تحية الي روح المقاومة في كل فلسطين، وفي كل مكان بالعالم، فان الحرية تبقي دائما هي اثمي معاني الحياة، والتي في سبيلها تبذل الارواح وتنزف الدماء.