
يطرح هذا السؤال نفسه بإلحاح في الساحة الإعلامية والسياسية المصرية، هل يطّلع الرئيس عبد الفتاح السيسي على مقالات الرأي التي تُنشر يوميًا في الصحف والمواقع، أم أن هناك من يحجبها عنه؟ وهل يدرك الرئيس حقيقة ما يدور في عقول الكُتّاب والمفكرين، وما يكتبونه من رؤى نقدية أو تحذيرية أو حتى مقترحات بنّاءة تخص البلاد والعباد؟
المقالات ليست مجرد اجتهادات شخصية، بل هي انعكاس لنبض الشارع ووعي النخبة، ومحاولة لتشخيص المشكلات واقتراح الحلول. وإذا غابت هذه المقالات عن دائرة اهتمام صانع القرار، فإن فجوة خطيرة تتسع بين السلطة والرأي العام. البعض يذهب إلى الاعتقاد أن هذه المقالات لا تصل إلى الرئيس أصلًا، إذ قد تكون هناك طبقة بيروقراطية أو إعلامية ترى في عرض النقد خطرًا على “صورة الدولة”، فتعمل على حجب الأصوات المستقلة أو التقليل من قيمتها.
السؤال الأهم: لماذا لا يجري الرئيس حوارات صحفية دورية مع الصحفيين والكتّاب؟ هذه الممارسة ليست ترفًا سياسيًا، بل هي تقليد راسخ في كثير من الدول، حيث يتيح الحاكم لنفسه أن يواجه الأسئلة الصعبة ويستمع إلى وجهات نظر متعددة. غياب هذا التقليد في مصر يجعل الحوار بين الرئيس والمجتمع يتم عبر خطابات رسمية أو مناسبات معدّة مسبقًا، وهو ما يقلل من مساحة التفاعل الحقيقي.
قد يكون هناك من هو مستفيد من إبعاد الرئيس عن الكتاب والمفكرين المستقلين، خصوصًا الشباب منهم. فالحوارات المباشرة قد تكشف أزمات لم تُطرح من قبل، أو تُظهر تقصيرًا في أجهزة بعينها. لذا ربما يفضّل بعض المسؤولين أو الدوائر المقربة إبقاء الرئيس بعيدًا عن هذا النوع من المواجهة، حتى يظل مصدر المعلومات محصورًا في تقارير رسمية أو أذرع إعلامية موالية.
لكن التجربة التاريخية والسياسية تؤكد أن أي نظام حكم لا يمكن أن يستمر طويلًا إذا اعتمد فقط على “صوت واحد”. التنوع في الآراء ليس تهديدًا بل ضمانة لسلامة القرار. والتواصل مع المفكرين والصحفيين، خصوصًا من الأجيال الجديدة، يفتح نافذة لفهم ما يشغل الناس حقًا، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو الفلاتر الإعلامية.
الحل لهذه المعضلة يكمن في خطوات عملية:
أولًا، إنشاء آلية شفافة تضمن وصول مقالات الرأي للرئيس، أو على الأقل تلخيصها بموضوعية بعيدًا عن الانتقاء.
ثانيًا، عقد لقاءات دورية مفتوحة بين الرئيس ونخبة من الكتاب والمفكرين، يتم فيها طرح قضايا الساعة بحرية.
ثالثًا، تشجيع الإعلام المستقل بدلًا من التضييق عليه، لأن النقد المسؤول هو أداة بناء لا هدم.
وأخيرًا، إشراك الشباب من الكتّاب والصحفيين في هذه الحوارات، فهم يمثلون المستقبل، وصوتهم مختلف ومهم.
إن السؤال: “هل يقرأ السيسي مقالات الرأي؟” لا يخص الرئيس وحده، بل يعكس أزمة أكبر تتعلق بعلاقة السلطة بالمجتمع، والحاجة إلى جسور جديدة من الثقة والحوار. وإذا كان الهدف هو بناء دولة قوية ومستقرة، فلا بد أن يكون الاستماع للرأي الآخر جزءًا من ثقافة الحكم، لا استثناءً منه.