
في كل دورة انتخابية، تتبدل الوجوه وتتحرك المقاعد، ويعلو الضجيج استعدادًا لجولة جديدة من المنافسة.
لكن ما لا ينتبه إليه كثيرون، أن السياسة لا تُختزل في مشهدٍ انتخابي أو موسمٍ من المواسم، بل هي رحلة وعيٍ ومسار مسؤولية، لا تتوقف بانتهاء جولة أو تبدّل موقع.
لقد شاهدنا في الأسابيع الماضية عددًا من النواب الذين قرروا عدم الترشح مجددًا، أو لم تحالفهم الظروف داخل أحزابهم.
ولعلّ الرسالة الأهم في هذه اللحظة، أن من عمل بإخلاص، ترك أثرًا أعمق من كل ضجيجٍ عابر.
فالأثر الحقيقي لا يُقاس بمقعد، ولا العطاء بمدة، لأن السياسة في جوهرها نَفَسٌ طويل يتجاوز الحسابات اللحظية والمكاسب السريعة.
وحين يحين وقت نقل الخبرة، يظهر المعدن الحقيقي للسياسي.
فمن أدرك أن السياسة خدمة عامة، ينسحب من الواجهة ليُكمل من موقعٍ آخر،
ينقل خبرته، ويرعى الجيل الجديد، ويترك أثرًا جديدًا في المسار العام.
أما من اعتاد أن يقيس قيمته بقدر الظهور، فسرعان ما يختفي بانتهاء الأضواء لأن ما بُني على وهج اللحظة، حتما يذوب مع انطفاء الأضواء.
السياسي الحقيقي لا يُعرّف بمنصبه، بل بما يتركه من أثر في نفوس الناس، وما يقدمه من نموذجٍ يحتذى في النزاهة والاتزان والتجرد.
وهنا يتجلى الفارق بين السياسي والمدّعي:
الأول يغادر المشهد تاركًا أثرًا،
والثاني يغادره باحثًا عن مشهدٍ جديد.
إن التجارب السياسية، مهما تنوّعت نتائجها، تظل ثرية ما دامت تحمل قيمة الاستمرار والنضج.
فما يبقى في النهاية ليس الصخب، بل البصمة.
ولعلّ أصدق ما يُقال في الختام:
السياسة لا تعرف الغياب… بل تعرف من يُكملها بطريقٍ مختلف