الأربعاء، 15 أكتوبر 202504:02 م
آراء حرة

تامر أفندي يكتب: حينما يصبح المثقف فقاعة!

الجمعة، 03 أكتوبر 2025 01:25 مساءً
تامر أفندي يكتب: حينما يصبح المثقف فقاعة!
الكاتب الصحفي تامر أفندي
15

ما إن تتحدث إلى العوام عن الثقافة والمثقفين، إلا وتجدهم منصتين، يستعيدون زمنًا قد مضى، وتُحسّ في وجوههم حنينًا ونوستالجيا للزمن الجميل. لكنك تتردد في إخبارهم أن الأمر لم يعد كما كان، وأن العقد قد انفرط، ولم يتبقَّ سوى الأطلال.

تقلب الصفحات، فلا تجد سوى المشكلات حاضرة، و”خناقات” على توزيع صكوك الإبداع، وندوات توزِّع كليشيهات بلا روح ولا أثر. لا مردود ثقافيًا، ولا فعلًا ملموسًا يمكن أن يُشار إليه بالبنان. فنحن، إن صح القول، في زمن “الثقافة الاستهلاكية” التي نمت واستفحلت على حساب تآكل القيم الثقافية الأصيلة.
كل من قرأ كتابًا بات أديبًا، وكل من حفظ سطورًا بات ناقدًا.

أحداث ووقائع تخجل أن تحكي عنها، حفاظًا على ما تبقى من ماء الحياء. جلسات نميمة تمتد لساعات، ومنظومة تُدار بالأهواء. فأنت إما أمام نخبوية وانغلاق وتعالٍ واحتكار لفئة معينة، وتسيس ودعاية بلا مضمون، أو أمام “شللية” تتحكم في زمام الأمور، ويُحددها سؤال: “من تعرف؟”.
و”من تعرف” هذه تفتح لك أبواب النشر والتكريم والجوائز.
والأخطر من ذلك، وجود بعض التيارات أو الجماعات الثقافية التي لا تتقبل الآخر، وتقصي كل من يختلف معها فكريًا أو أيديولوجيًا.

لم تكن الثقافة يومًا رفاهية. ووضعها في هذا الإطار أفقدها قيمتها، وجعل أزمتها أزمة مركبة؛ تجاوزت نقص الإنتاج الإبداعي، لتشمل أزمة وعي تضرب المجتمع بأسره.
وعلى الرغم من صخب الأحداث وكثرة الندوات والفعاليات، لا توجد رؤية ثقافية واضحة، لا من مؤسسات الدولة، ولا من النخب الثقافية.
ومصر تدفع الثمن من مكانتها، بضياع هويتها الثقافية وتراجع ريادتها.

فمصر، التي كانت تتعامل مع الثقافة كركيزة من ركائز الأمن القومي، أصبحت اليوم تتعامل معها بسطحية، وصلت إلى حد الغياب التام، وهو ما انعكس على المجتمع كله.
فأصبحت الشائعات أقوى من الحقيقة، والمثقف “فقاعة” بعد أن كان ضمير الأمة. وبينما يتغير العالم وتتحكم التكنولوجيا في مساره، ظل المثقف في حالة جمود، يقدم خطابًا قديمًا لا يناسب المرحلة، ثم يُلقي باللوم على طريقة تفكير الشباب، دون أن يخطو خطوة واحدة نحو تقليل الفجوة بين ما كان وما هو كائن.

والطامة الكبرى التي قضت على آخر أمل، ما يُسمى بالنقد الأدبي — أو إن صح القول: “النكت الأدبي” — حيث يميل البعض إلى النقد الهدّام، دون تقديم حلول بنّاءة.
أصبح النقد كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرًا، ثم يكون حطامًا.

والأمر ليس صعبًا في هذه الأجواء حتى تكون كاتبًا أو ناقدًا. فقط احفظ بعض الجمل الجاهزة مثل:

“يستخدم النص لغة غنية.. يعتمد الكاتب على أسلوب السرد الوصفي.. تتطور الحبكة بشكل تدريجي.. يفتقر النص إلى… مما يؤثر على.. تتناغم العناصر الفنية في النص لتخلق تأثيرًا دراميًا قويًا.. يُحدَّد النص زمانًا ومكانًا دقيقين مما يعزز من واقعية الحدث.. يتبنى الكاتب وجهة نظر راوٍ غير موثوق به، مما يضيف طبقة من الغموض”…

ثم بعد ذلك يتوقف الأمر على “من تعرف” ليقدّمك بوصفك ناقدًا وصاحب رؤية عظيمة، فتنال “اللقب” لا بناءً على الإبداع أو الإنتاج، بل على التواجد، وحينها يمكنك أن تمارس سلطة نقدية على كل مبدع حقيقي لا ينتمي إلى شلة، وإذا تجرأ هذا المبدع على الاعتراض، وقع في شراك “السنيدة”، فمزقوه إربًا.

لكن، لا عليك من كل ما يحدث.
جلّ ما عليك الآن فقط أن تحافظ على عقلك.
فزمن الفكرة قادم لا محالة، والكلمة وإن غابت، فستعود — حتمًا ستعود — بما يليق بتاريخ هذا الوطن، وهذا الشعب.
فشعبٌ نقش كلمته على جدران الزمن، لا يمكن أن يتخلى عن أقلامه ودَوَاته.