الاثنين، 20 أكتوبر 202505:53 ص
آراء حرة

أحمد صبره يكتب: استثمارات بعشرة مليارات جنية.. لماذا لا يراها المواطن الأسيوطي؟

الجمعة، 12 سبتمبر 2025 01:28 مساءً
أحمد صبره يكتب: استثمارات بعشرة مليارات جنية.. لماذا لا يراها المواطن الأسيوطي؟
أحمد صبره – خبير السياسات العامة وتقييم المشروعات التنموية
15

شهدت محافظة أسيوط في خطة العام المالي 2024/2025 حجمًا استثماريًا يصل إلى عشرة مليارات ومئتي مليون جنيه موزعة على أربعمائة وأربعة وستين مشروعًا وتشمل الخطة أيضًا مشروعات ضمن مبادرة حياة كريمة التي تغطي مائة وخمسين قرية بعدد مراكز معلن يستفيد منها نحو مليونين وأربعمائة ألف مواطن هذه الأرقام تجعل أسيوط من بين المحافظات الأعلى في حجم الاستثمارات التنموية على مستوى الصعيد لكن الواقع التنفيذي يوضح أن الكم وحده لا يكفي لتحقيق نقلة نوعية في حياة الناس.

أولى نقاط الضعف هي التشتت الكبير إذ أن تقسيم الاستثمارات على أربعمائة وأربعة وستين مشروعًا يعني متوسط تمويل لا يتجاوز اثنين وعشرين مليون جنيه للمشروع وهو رقم ضعيف إذا ما قورن باحتياجات البنية التحتية الكبرى مثل شبكات الصرف أو محطات المياه أو المجمعات الإنتاجية ونتيجة ذلك أن الأثر المباشر على المواطن يظل محدودًا وموزعًا.

النقطة الثانية تتعلق بضعف التنفيذ والالتزام الزمني حيث تشير تقارير رقابية إلى أن ما يقرب من ثلاثين في المئة من مشروعات البنية التحتية تأخر عن الجدول الزمني في حين أن نسبة المشروعات التي دخلت الخدمة بالفعل لا تتجاوز خمسة وسبعين في المئة أي أن ربع الإنفاق يبقى معطلاً وغير مستغل على الأرض وهو ما يخلق فجوة ثقة بين المواطن والإدارة.

أما المؤشرات الكمية لقياس الأداء أو ما يعرف بـ KPIs فهي غائبة بالكامل فلا توجد بيانات منشورة عن نسب الإنجاز الشهرية أو عدد الأسر التي حصلت على مياه شرب آمنة أو حجم الطرق التي تم رصفها أو إعادة تأهيلها وغياب لوحة متابعة عامة يجعل من الصعب على المجتمع المدني والجهات الرقابية التتبع للعائد الحقيقي من كل جنيه تم إنفاقه.

إضافة إلى ذلك تتجاهل الخطة مخصصات التشغيل والصيانة أو ما يعرف بـ O&M حيث لا تتجاوز نسبة الإنفاق على هذا البند خمسة في المئة من التكلفة الإجمالية في حين أن المعايير الدولية توصي بنسبة بين عشرة إلى خمسة عشر في المئة ما يعني أن العديد من المشروعات مهددة بفقدان كفاءتها التشغيلية بعد سنوات قليلة.

من ناحية أخرى يظل البعد الاقتصادي والاجتماعي غائبًا إذ لم ترتبط الاستثمارات بخطط تشغيل محلية للشباب أو بدعم سلاسل القيمة الزراعية والحيوانية ففرص العمل المباشرة الناتجة عن الخطة لا تزيد عن عشرة آلاف فرصة معظمها مؤقتة مرتبطة بمرحلة الإنشاء في حين أن البطالة في أسيوط تتجاوز خمسة عشر في المئة من قوة العمل أي ما يعادل مائتي ألف شاب يبحثون عن فرص حقيقية.

كما تظل الشفافية والحوكمة المحلية نقطة ضعف واضحة فلا توجد قاعدة بيانات مركزية ولا نشر دوري للبيانات ما يزيد من احتمالات سوء الإدارة وتأخر حل المشكلات الميدانية.

الحل يبدأ بإعادة ترتيب الأولويات من خلال قائمة العشر الأهم لمشروعات تمس الخبز والماء والكهرباء والصحة والتعليم وإطلاق منصة عامة يتم تحديثها شهريًا تعرض تكلفة كل مشروع ونسبة التنفيذ والجهة المنفذة والجدول الزمني وتخصيص موارد تشغيلية وصيانة لا تقل عن خمسة عشر في المئة من التكلفة الإجمالية وتشغيل المشروعات الصحية المتوقفة فورًا باعتبارها نقاط فوز سريعة.
تعزز ثقة المواطن

وعلى المدى المتوسط يجب دمج المشروعات الصغيرة في حزم كبرى أكثر جدوى وربطها بخطط التنمية الزراعية والتصنيع الغذائي وإدخال شراكات مع القطاع الخاص لإقامة مجمعات إنتاج وتغليف زراعي ومصانع غذائية مصغرة يمكن أن توفر آلاف الوظائف المستدامة مع بناء قدرات الجهاز التنفيذي للمحافظة في إدارة العقود والمخاطر والتحول إلى موازنة برمجية قائمة على النتائج.

إن أسيوط لا تفتقر إلى الأموال بل إلى حسن التوجيه والإدارة فالمليارات العشرة المعلنة قادرة على إحداث تغيير جذري إذا تحولت إلى مشروعات مكتملة مشغلة ومستدامة تقاس بنتائج ملموسة مثل خفض نسبة الفقر الحضري وزيادة نسبة التوصيل بشبكات المياه الآمنة وتوليد فرص عمل جديدة أما إذا استمر الحال على ما هو عليه ستظل المليارات مجرد أرقام في جداول الموازنة لا يلمسها المواطن الأسيوطي في حياته اليومية.