
كتب :محمد أبوزيد
في مشهدٍ يعكس حالة من التباين العلني النادر داخل المعسكر الحليف لإيران في لبنان، ظهرت ملامح خلاف ظاهري بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري والشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله، حول موقف الحزب من الحرب الدائرة حاليًا بين إسرائيل وإيران والتي اندلعت منذ فجر الجمعة الماضية.
نعيم قاسم: “لن نقف على الحياد”
ففي خطابه مساء الخميس، أعلن الشيخ نعيم قاسم موقفًا حاسمًا، من العدوان الاسرائيلي على إيران قائلًا:نحن في حزب الله لننقف على الحياد في هذه المعركة. الحرب التي تشنها إسرائيل على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست معركة إقليمية عابرة، بل هي تهديد وجودي لمحور المقاومة بأكمله. إذا استمرت إسرائيل في عدوانها، فإن الردّ لن يقتصر على إيران وحدها”.
كلمات قاسم كانت واضحة: حزب الله مستعد للانخراط، والتدخل قد لا يكون بعيدًا.
نبيه بري: “حزب الله لن يشارك في هذه الحرب”
قبلها بيوم واحد ، خرج نبيه بري، الرجل القريب من حزب الله وأحد أبرز وجوه محور الممانعة في لبنان، بتصريح لافت قال فيه: الأوضاع في المنطقة خطيرة، ولكنني أؤكد أن حزب الله لن يشارك في هذه الحرب. لبنان لا يحتمل مواجهة جديدة، وحزب الله يدرك حساسية الوضع الداخلي، ولذلك فإنه لن يجر البلاد إلى مواجهة مفتوحة”.
طلاق بائن أم تكتيك متفق عليه
على سطح المشهد، يبدو أن هناك تناقضًا صريحًا في الموقفين، ما فتح باب التساؤلات حول وجود خلاف استراتيجي داخل الصف الواحد، أو على الأقل اختلاف في تكتيك الإعلان عن المواقف.
لكن بالنظر إلى سياق التصريحات، يمكن القول إن ما يبدو خلافًا قد يكون جزءًا من تقسيم أدوار محسوب بدقة
فنبيه بري، المعروف بحنكته السياسية وعلاقاته الدولية، يوجّه رسالة طمأنة للمجتمع الدولي وللداخل اللبناني بأن حزب الله لا يسعى لتوسيع دائرة الحرب.
في المقابل، نعيم قاسم، كرجل المواجهة في حزب الله، يتحدث بلغة التحذير والردع، موجّهًا رسائل مباشرة إلى إسرائيل بأن الحزب حاضر ومتأهب، وأن جبهة الجنوب يمكن أن تشتعل في أي لحظة.
والسبب الأرجح لهذا التناقض الظاهري هو محاولة كسب الوقت وتقدير الموقف الميداني بدقة قبل اتخاذ قرار الانخراط الكامل في الحرب. فحزب الله، منذ اندلاع المواجهة بين إسرائيل وإيران فجر الجمعة الماضية، يتبع استراتيجية الاحتواء النشط،يراقب تطورات الجبهة الإيرانية،يتابع ردود أفعال واشنطن وتل أبيب،يتحضّر عسكريًا دون إطلاق الرصاصة الأولى.
متى يتدخل حزب الله؟
بحسب مصادر سياسية لبنانية قريبة من القرار في الضاحية الجنوبية، فإن حزب الله حدد “خطًا أحمر” وهو اذا تدخلت أمريكا بشكل مباشر بأي صورة من الصور في الحرب، أو ضربت مفاعل فوردو النووي الإيراني ،ساعتها سيشارك الحزب بشكل كامل في الحرب.
كما أن استمرار الحرب لأكثر من أسبوع دون تهدئة، قد يدفع الحزب لتجاوز سياسة “الاحتواء التكتيكي” إلى الاشتباك المدروس، خصوصًا إذا ظهرت مؤشرات على أن إسرائيل بدأت تحقق مكاسب ميدانية أو سياسية في معركتها ضد إيران.
ما بين تصريحات بري الحذرة وتحذيرات قاسم النارية، يبقى الموقف الفعلي لحزب الله مرهونًا بتطورات الساعات والأيام المقبلة. لكن المؤكد أن القرار النهائي بالمشاركة لا يتخذه فرد بل يُصاغ بدقة في غرفة عمليات مشتركة إقليمية تضم طهران، بيروت، بانتظار لحظة التحوّل الكبرى التي قد تقلب ميزان المعركة.