الجمعة، 07 نوفمبر 202502:24 ص
آراء حرة

طاهر أبوزيد يكتب: مصر السيادة

الخميس، 12 يونيو 2025 10:13 مساءً
طاهر أبوزيد يكتب: مصر السيادة
المهندس طاهر أبوزيد
15

في محيطٍ مشتعل، وأجواءٍ إقليمية يختلط فيها صوت الحرب بوشوشات المؤامرة، تقف مصر اليوم بثبات نادر وحنكة محسوبة، لا تلوّح بالعنف ولا تُستدرج للانفعال، بل تُمارس ما أصبح ضرورة لا رفاهية: السيادة الذكية من الغرب، تنفتح ليبيا على فوضى لم تهدأ بعد، تشظّت فيها السلطة، وتعددت فيها الأيادي، وتحولت إلى ملعب إقليمي تتقاطع فيه المصالح والنوايا.

من الجنوب، السودان الجريح ينزف في صراع أهلي، تزداد حدته وتتعقد خيوطه، وتبدو في خلفيته أصابع دولية تعبث بالخرائط والأدوار.

أما في الشرق، فالمأساة الفلسطينية تُوظَّف بوقاحة من قبل قوى تحاول دفع الأزمة خارج حدودها… إلى سيناء تحديدًا، تحت شعار “ممرات إنسانية” هي في حقيقتها ألغام سياسية.

تلك ليست أزمات عابرة، بل مشروع تطويق لمصر، تشارك فيه أطراف معروفة وأخرى مستترة، تسعى لإضعاف القرار الوطني، وإرهاق الدولة بحروب استنزاف ناعمة.

لكن مصر، وعيًا بخطورة اللحظة، لا تسلك طريق الانفعال، بل تُمارس ما يمكن تسميته بـ “السيادة الذكية”، وهي: سيادة لا تتخلى عن الثوابت، لكنها تتقن فن المناورة ،سيادة تفهم الواقع الإقليمي، لكنها لا تقبل أن

تُساق فيه بلا قرار ، سيادة تحمي الأرض، وتحمي أيضًا الرواية، فلا تترك فراغًا يُملأ بالافتراء، ولا تسمح بتشويه المواقف تحت ضغط العواطف أو الابتزاز الدولي.

سيادة الردع الهادئ حيث تعرف مصر كيف تُلوّح دون أن تصعّد، وكيف تُرعب خصومها دون أن تطلق رصاصة والتحالفات المتوازنة فلا هي دولة تابعة، ولا دولة معزولة، بل تمسك بخيوطها الاستراتيجية وفق ما يخدم أمنها

القومي فقط والقرار المستقل حيث ترفض الضغوط، وتُعيد تعريف مفاهيم “المساعدة” و”الحلول”، بما يحفظ السيادة ولا يفرّط في الكرامة.

وأخيرا في وجه محاولات التفكيك الناعم، تُدرك مصر أنها لا تدافع فقط عن نفسها، بل عن منطق الدولة في منطقة باتت فيها الدول تُستنزف، ثم تُقسَّم، ثم تُنسى.

كما أن مصر لا تدّعي البطولة، لكنها تعرف كيف تصمد حين يسقط غيرها.

لا تبالغ في الشعارات، لكنها لا تفرّط في شبر أو قرار.

وهي حين تختار الصمت، لا تفعل ذلك من ضعف، بل من قوة منضبطة تعرف متى تتكلم… ومتى تفرض كلمتها.

وأخيرا وفي زمن التهديدات المموهة، والتدخلات المغلّفة، والتواطؤ المُقنَّع… تظل مصر نموذجًا لدولة تمسك القرار بحكمة، وتُمارس السيادة بالعقل لا بالصوت.

وهذا بالضبط… ما يجعل صمودها رسالة، وسيادتها الذكية مدرسة